برجس حمود البرجس

صناعة الشرائح الالكترونية.. نمو مهول ووظائف مستدامة

الثلاثاء - 02 فبراير 2021

Tue - 02 Feb 2021

ارتفاع جنوني بصناعة الشرائح الالكترونية ومكوناتها في دول العالم، حيث ارتفعت قيمة الصادرات بين الدول 42% خلال 4 سنوات، ووصلت قيمة تلك الصادرات عام 2019 أكثر من 720 مليار دولار، وهذا رقم كبير يعادل صادرات السيارات بين دول العالم خلال عام 2019، التي وصلت إلى 758 مليار دولار، بينما ارتفاع قيمة صادرات السيارات خلال الـ 4 سنوات الماضية فقط 12%. طبعا الصناعة في قطاع الشرائح الالكترونية أكبر من قيمة الصادرات، ونحن هنا نتحدث عن قيمة الصادرات بين الدول ولم نتحدث عن أرقام مبيعات الصناعات المحلية لكل دولة نظرا لعدم توفر المعلومات بسهولة.

يعزى هذا الارتفاع للشرائح الالكترونية والسيميكوندكتور نظرا للتزايد على الاستخدامات للمنتجات النهائية التي تستخدمها هذه الشرائح وعلى رأسها الأجهزة والكمبيوترات وألعاب البلايستيشن والجوالات والسيارات والطائرات وكاميرات فيديو المراقبة وغيرها كثير.

يلاحظ أن دول قارة آسيا تستحوذ على 86% من تلك الصادرات بقيمة 620 مليار دولار، واللافت أن خمس دول (فيتنام وتايوان وماليزيا وتايلند والفلبين) تصدر ما قيمته 200 مليار دولار من الشرائح الالكترونية أي 25% من مجموع صادرات دول العالم للشرائح الالكترونية. قيمة الصادرات من تلك الدول البسيطة تعادل قيمة صادرات الولايات المتحدة وألمانيا معا للسيارات، وتعادل ضعف قيمة صادرات اليابان من السيارات.

يلاحظ أن صادرات دول متقدمة - الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وهولندا وفرنسا وأيرلندا- للشرائح الالكترونية تصل قيمتها إلى 85 مليار دولار، هذه الدول لا تملك ميزة أجور متدنية للمهندسين والفنيين والتقنيين، وهذا يعني أن انخفاض أجور الأيدي العاملة ليس المعيار الوحيد لهذه الصناعة.

يختلط مفهوم الشرائح الالكترونية عند كثيرين، فالسيميكوندكتور (semiconductor) والتشب (chip) عناصر رئيسة من الشرائح الالكترونية، وسلسلة القيمة لقطاع السيميكوندكتور والتشب تمر على 48 دولة حتى تكتمل، وتنتهي بصناعة الشرائح الالكترونية، أي إن اكتمال أي منتج من الشرائح الالكترونية تكون مكوناته قد سافرت 25 ألف ميل بين دول كثيرة أي ما يعادل لفة كاملة على الكرة الأرضية.

طبيعة أعمال الشركات في هذا القطاع تكون شركات عملاقة وكبيرة ومتوسطة وصغيرة، وكل منها يستهدف جزءا من تلك المكونات حتى تكتمل الصناعة للمنتج النهائي، أما التصميم فيعمل في مختلف أحجام الشركات لكل جزء من الأعمال. فمثلا الشريحة الالكترونية الموجودة في جهاز التحكم في مكيف منزلك قد تكون صناعتها مرت على 20 شركة في 10 دول مختلفة، فبعض تلك الشركات عملت على تصاميم للمراحل المختلفة من صناعة تلك الشريحة، وبعضها عمل على تصنيع القناع الضوئي، وبعضها عمل على صناعة التشبس، وبعضها عمل على صناعة القناع الضوئي، وبعضها عمل على صناعة الرقائق، وبعضها عمل على المكونات الأساسية كالسيليكا والنحاس والبلاستيك، وتكون في نهاية المطاف لفت مسافة تعادل لفة كاملة على الكرة الأرضية، وبقية القصة طويلة.

الصناعة لهذا القطاع لها تفاصيل كثيرة يصعب شرحها في مقال، وهناك تقارير كثيرة موجودة على مواقع عدة على الإنترنت. عوامل التنافس ليست فقط المواد الأولية ولا تكلفة أجور الأيدي العاملة، بل عوامل أخرى كثيرة، ومن أهمها الحقوق الفكرية والتجهيزات المنفصلة لكل شركة.

طبعا لا يمكن المرور عند أرقام وتزايد أعمال هذا القطاع دون توقف، وربما أكبر عامل يطرأ هو كيف نستفيد من شركة الالكترونيات المتقدمة بالسعودية وخبراتها بهذا القطاع.

اقتحام هذا القطاع من شركات في المملكة يحتاج إلى تَبنٍ كبير على مستوى صندوق الاستثمارات العامة، والاعتماد على «المعرفة» من شركة الالكترونيات المتقدمة وموقعها الرياض، والاستفادة من توفر النحاس والبلاستيك والسيليكا في بعض مراحلها فهي متوفرة كثير في المملكة، يبقى العامل الأهم وهو التسويق والفرص لتصدير منتجات هذا القطاع.

ليس بالضرورة أن تكون أي صناعة في هذا القطاع نستهدفها بالمملكة لتباع محليا للاستهلاك المحلي، ولا حتى موادها الأساسية من المملكة مع أن المملكة غنية بالسيليكا والنحاس والبلاستيك، ولكن جدوى تصنيعها لن يكون مناسب إلى إذا توسعنا بهذه الصناعات بشكل كبير أو استهدفنا تصدير تصنيع وتجهيز المواد الأولية من هذه الصناعات الأساسية، المهم أنها متوفرة بالمملكة فنحن نصدرها لدول أخرى تستخدمها كمكونات أساسية للشرائح الالكترونية.

عملت بحثا بسيطا ووجدت شركات عملاقة وتتوسع بهذا القطاع، ووجدت شركات صغيرة لا يتعدى عدد موظفيها 50 موظفا في دول آسيوية وتصدر إلى دول في أوروبا وأمريكا، وبعض هذه الشركات تعمل فقط على التصاميم، وبعضها على صناعة السيميكوندكتور والتشبس، والبقية يعمل على بقية سلاسل القيمة.

استوقفتني كثيرا صناعات شركات متوسطة وصغيرة في تايوان تصدر بمتوسط يومي بـ 275 مليون دولار، أي ما يعادل مليار ريال يوميا. أوقفني ما الذي لا يمكن عمله لنصل بالقطاع الخاص لثقافة هذه الصناعات، أوقفني أن عدد العاملين بهذا القطاع في تايلند يتخطى 600 ألف موظف.

في خبر على صحيفة الوول ستريت جورنر (WSJ) الأسبوع الماضي، يقول الخبر بأن شركات السيميكوندكتورز أخبرت عملاءها بأنهم سيتأخرون في تسليم طلبات مسبقة نظرا للطلب المتزايد على منتجات هذا القطاع وصعوبة وفرته، وهذا أدى إلى ارتفاع أسعاره أيضا.

الاستثمارات بهذه الصناعات سواء للشركات الكبيرة أو الصغيرة في المملكة ستساهم بشكل كبير في توليد وظائف منتجة، وبأعداد كبيرة ومستدامة وقابلة للتوسع، وتساهم أيضا في مشاركة قوية وفاعلة في الاقتصاد والناتج المحلي الإجمالي وزيادة الصادرات، ومثل ما ذكرت في المقال ثقافة القطاع الخاص المحلي ضعيفة ولا تستطيع اقتحام صناعات مثل هذه إلا بشكل جديد للشركات في القطاع الصناعي، وبتبني قطاع استثماري كبير مثل صندوق الاستثمارات العامة واعتمادا على قيادة وخبرة شركة الالكترونيات المتقدمة بالرياض.

Barjasbh@