مرزوق بن تنباك

حديث الضب

الثلاثاء - 02 فبراير 2021

Tue - 02 Feb 2021

حضر الضب على مائدة النبي فلم يأكله لأنه ليس في أرض قومه ولم ينه عن أكله على تلك المائدة، وهذا حديث مطروح مشروح في السنة النبوية مبينة أسباب الامتناع وأسباب الأكل، وله حديث عند النحويين وجماع اللغة حين يسمعون الكلام ويميزون بين الفصيح والأفصح حتى يعتمدوه شاهدا على سلامة اللغة وصحة العربية، ويكفي في عرفهم أن يكون المتكلم من حرشة الضباب وأكلة اليرابيع ليصح كلامه ويتميز على غيره من عباد الله سكان الجزيرة العربية. وللضب عقد الجاحظ فصلا طويلا في كتابه الممتع الحيوان، وهو من مجلدات كثيرة جعلها تاريخا لخلق الله من غير البشر، فكتب حيوات الحيوان بكل أنواعه وأسمائه وصفاته ولم يفته شيء ذو بال عن هذا الخلق العظيم من دواب البر والبحر، وجعل للضب ما لم يجعله لغيره من الاستطراد والإطالة مما أشار إليه احتفاء به وعناية نالته خاصة من المؤلف رحمه الله.

أما الناس المعاصرون الذين لا يحسنون الكتابة فقد وضعوا للضب قصصا وحكايات مسلية.

يقولون «كان الضب من جملة حيوانات الأرض وقد اجتمعت في روضة خضراء ممرعة آمنة مطمئنة، ليس فيها ما ينغص حياة سكانها في ظاهر الحال، مما أتاح فرصة لنشاط كثير من أهل هذه الروضة العامرة، فأصبح فيه مجال لمن له قدرة أو موهبة أن يمارس قدرته وموهبته، وأخذ البلغاء والخطباء والوعاظ كل فيما يحسنه من شؤون حياة مجتمعهم، ولكل صار أنصار وأتباع ومريدون يشجعونه ويسيرون خلفه وله أعداء وخصوم يبغضونه ويعارضونه أيضا.

أما الضب فهو ليس من أهل الكلام والخطب ولا يحسن شيئا من ذلك، فضلا عن جمع الأتباع والانتصار بهم، ولكنه من أهل الحكمة وبعد النظر في عواقب الأمور، ومن أهل التوقي والاحتياط والصمت الطويل، فقدر أن يوما ما سيأتي الصائد إلى مجتمع الروضة الآمنة ويفرق جمعهم، وأن من الخير له أن يضع ذلك اليوم في حسبانه حتى إذا جاء الصائد كان له ملجأ ومكان أمن.

ولأن من الحكمة عنده أن تقضى الحوائج بالكتمان، فقد قرر كتمان أمره عمن معه، فإذا جاء الضحى فارق الروضة ومن فيها وارتفع إلى كدية عالية بعيدة عن الأعين وبدأ يحفر جحرا يأمن به ويطمئن عند الخوف ويحتاط للخطر عندما يأتي إن أتى، وإن لم يأت فما خسر شيئا، لاحظ رفاق الضب غيابه وعودته وأثر التراب على براثنه وأنفه، فسألوه عن أمره، فقال بأنه يذهب ليخلو بربه وأن ما يرونه من الغبار والتعفر على وجهه هو من أثر السجود وسيماء العبادة، وكعادة الساكتين كثيرا كسب الضب احترام مجتمعه، وحسنت سمعته واتخذته وحوش الغابة ناصحا ومرشدا تستشيره وتأخذ برأيه وتعتمد على ما يقول وتصدقه.

جاء اليوم الذي خطط له الضب وأحاط الصائد بالقطيع فالتفوا حوله يسألونه ماذا يفعلون، فارتفع إلى جحره الذي أعد، وأطلق المثل الذي حفظه الناس عنه: من كان له جناح يطير ومن كان له برثن يحتفر.

لا أريد شرح المثل حتى لا أفسده، ولكن في كل تجمع بشري أو حيواني سيوجد الضب والغزال والأرنب والذئب والصقر والنعام والدجاج وغير ذلك، وستوجد الروضة والغابة والحشائش والأدغال، وسيكون الزمن هو الصائد الذي يفرق شملهم ويفض اجتماعهم، حتى الضب لن يقيه جحره ضربة سلاح الزمن.

ورحم الله لبيدا حين قال:

وكل أناس سوف تدخل بينهم

دويهية تصفر منها الأنامل

Mtenback@