فهد عبدالله

ضبط الإيقاع المؤسسي

الخميس - 28 يناير 2021

Thu - 28 Jan 2021

في كثير من مشاهد التغيير الكبيرة والمطلوبة على الصعيد المؤسسي تنامت لدي قناعة عبر التجارب والملاحظات بأنه لا يمكن إحداث التغيير المطلوب بدون تدوين ورفع الواقع الذي تمر به المؤسسة وتحرير هذا الواقع من المعوقات التي تقف في وجه هذا التغيير الكبير المطلوب، عشرات التجارب والجهود الهائلة المتراكمة التي قد تلاحظها منذ نشأتها وتجد في نهاية المطاف النتائج ليست كتلك التصورات التي كانت عند الابتداء، والسبب في الأغلب يعود إلى أن رفع الواقع أثناء وضع التصورات لم يكن موجودا أو كان موجودا على مضض، مما أثر على رصد احتياجات غير صحيحة أو رصد احتياجات صحيحة ولكن تسبقها عشرات الاحتياجات التي تسبقها في الأهمية أو وجود معوقات مركبة لا بد من حلها أولا حتى تصل لتلك التصورات.

تستطيع أن تنظر يمينا ويسارا في المؤسسة التي تنتمي لها أو التي لك احتكاك غير مباشر بها وستجد من الأمثلة التي لا حصر لها في هذا الجانب، وهذا الأمر موجود في الأغلب في جميع المؤسسات والمنظمات التي يحتويها البشر لطبيعة النقص وعدم الكمال في الجانب البشري وأيضا طبيعة تمرحل النضج المؤسسي في صناعة القرار فضلا عن النضج القيادي الذي أحد أهم عناصره معرفة موقع المؤسسة والمنظمة الحالي، وما هي المستهدفات المعقولة والمناسبة المستقبلية والطرق الاستراتيجية الأنسب التي تصل بها لتلك المستهدفات.

في الحقيقة في كثير من الأحيان لا أحب أن أميل لذكر أمثلة على مفهوم كبير لاعتيادي المتكرر لدى المستمع والقارئ على هندمة الفكرة الأساسية على هذا المثال أو ما يتشابه معه فقط بينما يكون هذا المفهوم الكبير يستوعب عددا لا نهائيا من الإسقاطات والأمثلة، ولكن أجد نفسي أقع في حيص بيص عندما أسمع تعليقا وتغذية راجعة خرجت بالفكرة الأساسية عن المراد الحقيقي لها، فيظهر لي شبح الخواطر متهامسا بأن وجود الأمثلة اضطرار لا مفر منه.

سأذكر مثالين على عجالة، مؤسسة ما تريد إحداث تغيير حقيقي -مثلا- تجاه رفع مؤشرات أدائها وإنتاجيتها على نحو غير مسبوق فقررت بعد تخطيط وضع مستهدفات ذكية وآليات تحقق تلك المستهدفات، وبعد فترة من الزمن اكتشفت أنها لم تقترب من تحقيق مؤشرات الأداء غير المسبوقة ووجدت أنها اجتهدت في تحقيق مؤشرات ينقصها الكثير من الاحتياجات التي لم تكتشف إلا أثناء الممارسة بينما لو كان هناك رفع للواقع بشكل صحيح لربما غيرت من شكل تلك المؤشرات أو وضعت مؤشرات أخرى تسد تلك الاحتياجات.

مثال آخر شركة ما قررت استيراد نظام ذكي مكلف جدا لسد بعض احتياجاتها، ومع تقدم الزمن والممارسات وجدت أن استفادتها من هذا النظام كانت بسيطة جدا مقارنة مع حجم الخصائص والفوائد الضخمة التي تحتويه، وأيضا يرجع السبب الجذري لذلك بأن رفع الواقع من معرفة الاحتياجات الدقيقة لم يكن واضحا تماما عند صناعة قرار استيراد هذا النظام.

وغيرها الكثير من الأمثلة التي تحدثنا بأن ضبط الإيقاع المؤسسي لا يكون إلا من خلال اتزان معادلة القرارات مع الاحتياجات الحقيقية الآنية والمستقبلية الواقعية، وأن الفاعلية الحقيقية لأي مؤسسة تجاه قراراتها تبدأ برفع الواقع الصحيح بعيدا عن الظنيات والاحتمالات والمعلومات المنقوصة، ولقد استقر في اليقين أن التبديد المتراكم في الجهود والأموال في كثير من الأحيان يرجع إلى عدم وجود هذا الضبط الإيقاعي المؤسسي، وعندما يقل التركيز في مثل هذه العوامل الداخلية يكون الاتجاه متذبذبا، مما قد يهدد الوجود الفاعل للمؤسسة مع مرور الزمن.

fahdabdullahz@