عبدالله الزرقي

الحب وكورونا

الخميس - 28 يناير 2021

Thu - 28 Jan 2021

بعد ردح من الزمن من العشرة القديمة انتابه شعور بالفتور في علاقته بزوجته وبغضها له حتى إنه لا يكاد أن يسمع منها إلا عبارات هات وهات وكأنه أصبح مكينة الصراف الآلي الذي لا يفتر إلا بالسحب المنظم ووصول رسالة إلى جواله تم سحب المبلغ الفلاني.

وفوق هذا تنمر مستمر بأنه أصبح عديم الفائدة ولا رجاء منه. هكذا كانت أحاسيسه باهتة باردة من ناحيتها وإيقاع حياة روتينية ليس لها طعم.

وحينما يئس من هذا الوضع استشارها في أخذ لقاح كورونا مع معرفته بقناعتها أنها لا تتفق معه.

لم تصدق فطيمة بها الكليمة على رأي المثل الشعبي. تلألأت أساريرها ووافقته هذه المرة على الفور وقالت له ابدأ أنت على بركة الله، وإن حصل لك مكروه سيكون هناك من يعتني بالأبناء في غيابك إن قدر الله وأخذ أمانته.

أدرك لحظتها أنه مجرد رقم زائد في حياتها، وحزن حزنا شديدا وقرر أن يأخذ الجرعة الأولى من اللقاح وكأنه مقدم على الانتحار كما يصور له عقله الباطن.

كانت معنوياته إلى حد كبير منهزمة لكن لديه يقين بأنه سيرحل بكورونا أو بلقاحه أو حتى تحت كفرات شاحنة متهورة.

توكل على الله وأخذ الجرعة وبعد مضي خمس عشرة ساعة وهو يحضر البطاطا المشوية في الفرن شعر بزغللة في عينيه.

بدأ جسمه يرتعش ويشعر بدوار في رأسه حتى كاد أن يفقد توازنه ويسقط على الأرض. نادى زوجته بصوت مختنق بالكاد سمعته، فوجدته ملقيا على الكنبة وقد تعرق جسمه، وأسنانه تصطك في بعضها، وقواه قد انهارت ولسانه متدل، وفمه معوج، وعيناه محولتان تتقلبان مثل دولاب لعبة القمار في منظر محزن وشبه كوميدي في نفس الوقت حتى شعرت أنها ستفقده.

اتصلت مستنجدة بالإسعاف التفتت إليه وهي تصرخ لا تتركني يا حبيبي محتضنته بيديها الاثنتين وتشده إلى صدرها خوفا عليه كأم تخشى على وليدها وقد ارتسمت ذكريات حياتها بكاملها في تلك اللحظات الحرجة.

هرعت فرقة الإسعاف مسرعة استجابة لحالته فتم قياس ضغطه وسكره وجميع مؤشرات جسمه الحيوية وكانت النتيجة على ما يرام. انتظر المسعف ليطمئن على حالته وبعد ساعة انقشعت الغمة وعاد إلى طبيعته ونظر إلى يمينه فوجد زوجته تمسك بيده بشدة، وتقول له لا ترحل فأنت من تبقى لي في هذه الدنيا.

قبلته على جبينه وهي تبكي ودموعها قد غسلت وجهه.

نظر إليها الطبيب المسعف وقال لها اطمئني يا سيدتي يبدو أن جسد زوجك قد تمت فرمتته مثل جهاز الكومبيوتر وتم إعادة التشغيل مرة أخرى.

نعم لقد تم تفعيل الخدمة ولكن هذه المرة ليست لجسده، بل لقلبه الذي ظن بها الظنون.