عبدالحليم البراك

تحضير الطعام الالكتروني

الأربعاء - 27 يناير 2021

Wed - 27 Jan 2021

لم يترك أي من مشاهير السناب الغثائيين - إن صحت الكلمة - إعداد الطعام وتحضيره وتصويره إلا وجعل منه جزءا من المحتوى الذي يقدمه، فإن كان ممثلا فهو لا يركز على التمثيل أو على أحدث الأفلام والمسلسلات العربية والغربية أو حفلات الجوائز العالمية للأفلام أو نقد الأفلام في مواقع النقد الشهيرة، مثل موقع الطماطم الفاسدة الغني عن التعريف لنقد الأفلام أو موقع (أي إم دي بي)، بل المحتوى إما ما يصنعه هو أو إعداد الطعام ويتقاسم معه الهمّ نفسه ذاك الذي يتنبأ بالنتائج الرياضية التي لم يصدق فيها قط، ومع هذا له جمهوره خفيف العقل والقيمة، أما في الأوقات التي لا وجود للمباريات فيها فإنه يلجأ - كغيره - لتصوير إعداد الطعام، أو الطعام في شكله النهائي لأن الأكل هو المادة التي لا تنضب وكل يوم يأكلون.

إن من سمات برامج التواصل الاجتماعي أن تكون متواصلا طوال اليوم مع متابعيك، وإلا ستخسر حضورك اليومي، فالناس تريدك كل يوم أو تنساك! ولأن معظم العرب ذوو محتوى إعلامي ضعيف وغير مركز، ونظرا لأن نشر المحتوى ليس هدفا، بل الهدف هو البقاء في ذاكرة الناس، يتطلب ذلك أن تكون ظاهرا كل يوم، ولا مادة تتكرر كل يوم إلا الطعام.

لقد وصل إعداد الطعام ونشره بشكل يومي لكل القطاعات بعد أن تجاوز الغثائيين ليصل لبعض المثقفين والمتعلمين، ففي الوقت الذي لا يجدون فيه ما يتحدثون عنه يقومون بإعداد (البان كيك) على الجمر، أو قهوة (اسبيرسو) بالبر، أو أقراص البر والبيتزا في الصحراء والمخيمات الفخمة .

ليست هنا المشكلة، فكل شخص - سواء كان مشهورا أو مغمورا - حر في حسابه الخاص به، لكن العتب على المتابع الذي لم يعد يعرف هوية من يتابعه، هل هو مفيد له أم لا، ولا يدري أنه هو الوقود الحقيقي للمشاهير، فالمتابعون يشعرون بضآلتهم ولا يشعرون بأن لهم تأثيرا على المشاهير، فينسون القيمة الحقيقية لهم ويتابعون الغث والسمين متناسين قيمتهم الحقيقية، ولو أن كل متابع جعل من نفسه قيمة حقيقة وصوتا لا يمنحه إلا لمن يستحق، لما تجرأ أصحاب الحسابات (الغثائية) بهذا الهبوط المريض في حساباتهم، بل لاستمات الواحد منهم ونافس كيف يقدم مادة علمية تستحق.

إن أصوات المتابعين صارت تساوي الشيء الكثير مجتمعة لدى مشاهير السناب، فعلى عدد المتابعين تكون الإعلانات والمكاسب، وإن كانت قيمة المتابع في نوع الأكل الذي يأكله المشهور أو يدعو إليه في مناسبات أصدقائه الأغنياء والمشاهير والتجار فإن قيمة المتابع في انحدار، فكأنما المشهور يقول لأصدقائه: اطبخ ولن يذهب عنك المتابعون، صور أي شيء وتحدث عن أي شيء ولو كذبا وستجد لك أضعاف ما تفعل من المجانين الذي يصدقونك وينزلون لمستواك، بدلا من أن يرفعوك أو ترفعهم أنت لرؤيتك.

آمل أن يكون للمتابع رأي، وأن تكون له كلمة، فلا يضيع وقته الغالي في متابعة التافه من الأعمال، وأنا لست ضد المشاهير ذوي المحتوى الجيد، بل ضد أن يقلل الناس من قيمتهم ويقلل المشاهير من قيمة الناس.

Halemalbaarrak@