باحث أمريكي يستقرئ أوضاع الشرق الأوسط في «الانتفاضة العربية»

السبت - 16 يوليو 2016

Sat - 16 Jul 2016

كتب مارك لينش في كتابه «الانتفاضة العربية» عن التغييرات الثورية واحتمالات وآفاق نشر الديمقراطية في الدول العربية التي كانت تبدو ممكنة، لكن لينش رأى مؤشرات قاتمة في الأفق، خاصة في سوريا، ومع ذلك انتهى الكتاب بنظرة متفائلة بأن الانتفاضات العربية تبشر بتغيير مهم على المدى البعيد، ومع التحذير بأن الأنظمة العربية لن تتخلى بسهولة عن سلطتها.

ولكن عوضا عن ذلك، تطورت الأمور بشكل غير متوقع في مصر وعاد الجيش مرة أخرى ليمسك بدفة الأمور، وتحولت ليبيا إلى دولة فاشلة، وغرقت اليمن في حرب بالوكالة بسبب التدخلات الإيرانية، وتدهورت الأوضاع بشكل كارثي في سوريا، وقد يتطلب البدء في إصلاحها أجيالا.

في نفس الوقت، لم يعد لدى أمريكا الكثير من الأسباب التي تبرر تدخلها في المنطقة بسبب خلط الأوراق ودخول أطراف كثيرة على اللعبة.

ويتحدث في كتابه الجديد «الحروب العربية الجديدة» الصادر عن بوبليك أفيرز، عن التغييرات التي حدثت على المشهد السياسي في الشرق الأوسط، حيث عمت الفوضى مناطق كثيرة بسبب الحروب بالوكالة التي تمثل عدة أطراف إقليمية ودولية.

من الصعب تحديد اللحظة التي بدأ فيها العالم العربي والإسلامي يتصدع وتنتشر فيه الأزمات لدرجة جعلت الكثير من المراقبين يتحدثون عن احتمال نشوب حرب عالمية ثالثة.

ربما كان ذلك في ديسمبر 2010، عندما أقدم شاب تونسي يبيع الخضار على إحراق نفسه، مطلقا بتصرفه ذلك أول ثورة شعبية عارمة بعثت الأمل في العالم العربي في إمكانية حدوث تحول ديمقراطي إيجابي في أنظمة الحكم، وسرعان ما تحولت تلك الثورات إلى صراع مسلح في مناطق كثيرة من العالم العربي.

وربما بدأت الحكاية في 2003، عندما غزت قوات التحالف الدولي بقيادة أمريكا العراق، مما أدى إلى اندلاع حرب لم يتم الإعداد لها بشكل جيد، وأشعل حركة مقاومة دموية في العراق.

وليس من المبالغة القول إن حرب العراق توسعت بشكل كبير لتشمل الآن ليس فقط مناطق واسعة من الشرق الأوسط، ولكنها وصلت أيضا إلى عواصم أوروبية مثل باريس وبروكسل.

لكن التاريخ في نهاية الأمر ليس مهما مثل الحراك والصراع الذي بدأ يتوسع بشكل كبير يوما بعد يوم.

ومع مرور الوقت، بدأت الحروب المحلية في العراق وسوريا واليمن وليبيا تأخذ شكلا طائفيا ومناطقيا وتدخلت دول إقليمية وعالمية عدة فيها.

على سبيل المثال، تدخلت بريطانيا وفرنسا وأمريكا بشكل مباشر في ليبيا لإسقاط الزعيم الليبي معمر القذافي، كما تدخلت روسيا بشكل مباشر أيضا لإنقاذ نظام الرئيس السوري بشار الأسد من السقوط ومنع احتمال تقسيم سوريا بطريقة تشبه التقسيم الذي حدث للمنطقة وفقا لاتفاقية سايكس-بيكو بعد الحرب العالمية الأولى.

ويقول لينش إن حكمة الرئيس الأمريكي باراك أوباما جنبت العالم كارثة كبيرة بعدم تدخله المباشر -على الأقل في السنوات الأولى للأزمة- وذلك لقناعته أن الشرق الأوسط لم يعد يمثل مصلحة وجودية بالنسبة لأمريكا. وأضاف بأن أوباما فهم بعمق أن القوة العسكرية الأمريكية لا تستطيع حل صراعات المنطقة وأن التدخل المحدود سيمهد الطريق لمطالب متصاعدة أكثر فأكثر.

وفهم المنطق الحديدي للمنحدر الزلق الذي يقود التدخل المحدود إلى مستنقع واسع النطاق.

لكن معارضي أوباما كانوا يرون الأمور بطريقة مختلفة: أنه لو اتبع سياسة أكثر صلابة منذ بداية الأزمة في سوريا لأسهم في تقليص المعاناة ومنع انتشار الإرهاب بهذا الشكل الواسع في المنطقة والعالم.

وهناك تساؤلات كثيرة تتعلق بسياسة أوباما في الشرق الأوسط مطروحة الآن بسبب قرب انتهاء ولايته الثانية. المرشحان الرئيسيان للرئاسة هيلاري كلينتون ودونالد ترامب قالا إن أوباما مارس ضبط النفس أكثر من اللازم وإن الدروس التي تعلمها من حرب العراق مبالغ فيها أيضا، بالرغم من التدخل الأمريكي المباشر في ليبيا والذي أيدته كلينتون، والقصف الجوي الأمريكي في سوريا والعراق وزيادة تواجد القوات الأمريكية في هذين البلدين.

من وجهة نظر لينش، الشرق الأوسط منطقة تهيمن فيها القوى المحلية وترتبط مع بعضها البعض بتحالفات دائمة أحيانا وموقتة أحيانا أخرى، وكثيرا ما تعاني هذه القوى المحلية من الفساد.

ولا يبدو لينش متفائلا، فهو لا يرى نهاية قريبة للصراعات في المنطقة، ويتوقع ظهور جماعات إسلامية أكثر قوة وتطرفا في المنطقة مع استمرار الصراع.

ويعتقد أن الدرس هنا واضح مع أنه لن يتم استيعابه بشكل كامل: باقي أنحاء العالم، وخاصة الرئيس الذي سيأتي بعد أوباما، عليهم أن لا يتدخلوا.

يقول لينش «أمريكا قد تتدخل مباشرة بشكل أو بآخر، لكنها لن تتمكن في النهاية من تقرير نتيجة الصراعات الأساسية بين العرب على مستقبلهم».

مارك لينش أستاذ في العلوم السياسية والشؤون الدولية في جامعة جورج واشنطن، يدير معهد دراسات الشرق الأوسط ومشروع العلوم السياسية للشرق الأوسط.

له عدة كتب ومؤلفات تتعلق باختصاصه وتناقش مشكلات الشرق الأوسط بشكل خاص.

الأكثر قراءة