نمر السحيمي

تغيير بعض الكليات.. تحول وطني نحو رؤية المملكة 2030

الاثنين - 25 يناير 2021

Mon - 25 Jan 2021

لم ينتشر ديننا الإسلامي الحنيف بالسيف ولا بالقوة ولا بالمنهج الحركي الذي عقد الدعوة الإسلامية بمنهج وأسلوب ووسيلة، ولم تتشكل لنشر الإسلام الجماعات والفرق والأحزاب، ولم يفعل ذلك سلفنا الصالح عبر القرون الإسلامية المتعاقبة.

بل كانت طريقة السلف الصالح في نشر الإسلام معتمدة على قول الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) النحل 125، فلم تخاطب الآية جماعة ولا فرقة ولا حزبا؛ بل هي موجهة لكل مسلم عاقل.

كما اعتمد نهج السلف الصالح في الدعوة إلى الخير على الآية الكريمة (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولٰئك هم المفلحون) آل عمران 104.

وعلى ضوء هاتين الآيتين وبالتأصيل العلمي فإن المملكة طبقت ما أمر به الشارع الحكيم في نشر الإسلام كونها أسست على الكتاب والسنة ورسمت نظام حكمها الأساسي على ذلك.

وبالتالي فإن جهود المملكة في نشر الدعوة الإسلامية تعتمد على المادة الثالثة والعشرين من النظام الأساسي للحكم التي تنص على أن»تحمي الدولة عقيدة الإسلام، وتطبق شريعته، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتقوم بواجب الدعوة إلى الله».

وبناء على ذلك فإن جهود المملكة في نشر الإسلام تكون من خلال:

أولا: المواطن؛ بتمسكه بالأخلاق الإسلامية واحترام أنظمة بلاده التي تلزمه بهذه الأخلاق، ليكون قدوة حسنة لغيره؛ استنادا على قول النبي صلى الله عليه وسلم «إنما بعثت لأتمم مكارم، و في رواية: صالح الأخلاق» (السلسلة الصحيحة الألباني).

ثانيا: العمل المؤسسي الرسمي الذي تكون الدعوة من خلاله على بصيرة، ويتمثل في: وزارة الشؤون الإسلامية في الدعوة إلى الله من خلال العلماء والخطباء وأئمة المساجد، ثم في: الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الدعوة إلى الخير من خلال الموعظة الحسنة للمؤهلين الذين تختارهم الهيئة لهذا العمل.

ذلك التيسير في مهمة نشر دين الله الحق الذي تعتمده المملكة وتطبقه في الواقع يتطلب إنشاء الكليات والمعاهد والأقسام العلمية المعنية بالأخلاق والقيم الإسلامية؛ ليتعلم المواطن والدارسون معه من أبناء الأمة أخلاق الإسلام وفق منهج علمي مؤصل؛ يؤهلهم ليكونوا ممثلين لدينهم السمح بالأخلاق الإسلامية الفاضلة.

ولكن الناظر في التطبيقات العملية للإعداد العلمي في هذا المجال يتعجب من الاختلاف الحاصل بين ما تتمسك به المملكة من نهج مستقيم في الدعوة وبين ما هو مقام فيها من مؤسسات علمية؛ فلقد أسست الكليات والمعاهد والأقسام العلمية المعنية بالدعوة بالمملكة في التسعينات الهجرية معتمدة في منهجها ومقرراتها على كتب حديثة اعتمدت في أساسها على مؤلفات سيد قطب وأتباعه الذين وجدوها فرصة لتقعيد ما اختلفوا به عن الأمة؛ حيث قعدوا لما أسموه بعلم الدعوة وجعلوا لهذا العلم مناهج مختلفة ووسائل وأساليب وميادين كثيرة، واستطاعوا أن يجعلوا مجال الدعوة عائما؛ ليقف الدارس لهذا العلم المستجد في بلادنا حائرا بين واقع يعيشه ونظريات علمية تدعوه ليكون حركيا مستقلا عن نهج بلاده.

وإن المحلل لتلك النظريات لن يجد عناء في كشف الأخطاء المنهجية للمقررات المعتمدة في مؤسساتنا العلمية المقامة باسم الدعوة..؛ ومن تلك الأخطاء حين ننظر لاستدلال المؤسسين لتلك المقررات في وجوب الدعوة نجدهم يغفلون دور ولي الأمر نهائيا في هذا الواجب فيقدمون الآيات القرآنية الدالة على وجوب الدعوة على إطلاقها ومن تلك الآيات قوله تعالى (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)، حيث قدموا هذه الآية لطلابهم وطالباتهم كدليل على ضرورة وجود أمة من المسلمين يدعون إلى الخير...؛ دون ضابط الموافقة من ولي الأمر، ودون أن يبينوا أن المملكة أقامت هذه الأمة التي تدعو إلى الخير وهي (وزارة الشؤون الإسلامية وهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما في المؤسستين من كوادر بشرية ضخمة تقوم بهذا الواجب على بصيرة..).

لقد استطاع منظرو المنهج الحركي المخالفون لنهج سلفنا الصالح في الدعوة أن يؤسسوا ما أسموه بعلم الدعوة ويقعدوا له في كتب متعددة؛ فوضعوا كما أسلفت موضوعا للدعوة وأركانا ودعاة وميادين للمدعوين وأوغلوا في رسم شخصية المسلم الذي يدرس في هذه المؤسسات العلمية ليكون حركيا شاذا عن مجموع وطنه، لينحازوا به عن أمته مغفلين دور ولي الأمر في هذا الموضوع؛ وهذا النهج الحركي يخالف طريقة النبي صلى الله عليه وسلم وطريقة أصحابه وتابعيهم وسلفهم الصالح الذين يعدون المسلم عضوا من جسد الأمة؛ ذلك الجسد الذي يكون ولي الأمر المسلم فيه كالرأس الذي لا حياة للجسد بدونه.

وللعودة لتأسيس المؤسسات التي حملت اسم الدعوة بالمملكة أقول إنه وللأسف استجابت عدد من جامعاتنا فأسست كليات وأقساما باسم الدعوة معتمدة كليا في هذا التأسيس على أصحاب العقول المؤدلجة وما زال الوضع حتى اليوم يسير على ما تم تأسيس تلك الكليات والمعاهد والأقسام عليه.

وإننا ونحن نتجه بكل ثقة نحو رؤية المملكة 2030 فلن ندخر جهدا وبشفافية كاملة في إظهار ما يمكن أن يعوق وصول بلادنا إلى هذه الرؤية في كل المجالات، ومنها المجال العلمي المرتبط بوعي مواطنينا وتحرير هذا الوعي من التعقيد والتكبيل الذي أراده لنا الأعداء المشوهون فكريا.

لذا وحتى نؤسس علميا لشخصية المواطن المسلم لتتحقق الفائدة المرجوة لنفسه حين يكون مواطنا صالحا، وتتحقق الفائدة المرجوة لوطنه حين يكون جزءا من مؤسسات وطنه المعنية بنشر الإسلام وغير ذلك من المجالات: فإنني أقترح تغيير مسميات كليات ومعاهد وأقسام الدعوة إلى كليات ومعاهد وأقسام تحمل اسم الأخلاق والقيم الإسلامية؛ أو تغيير كل مناهج ومقررات الكليات والمعاهد والأقسام التي تحمل اسم الدعوة بمناهج ومقررات تعتمد على ما تعتمده المملكة من واقع (نظري وتطبيقي) مستمد من الكتاب والسنة.

ونحن نستطيع بإذن الله التحول أو التغيير إلى ما ينفعنا في ديننا ودنيانا؛ إذا ارتقينا إلى المكانة التي تريدها لنا حكومتنا الرشيدة المؤسسة -ولله الحمد- على قواعد ثبت أنها لا يمكن أن تتأثر بمكائد الأعداء مهما تكاثروا كالحشرات في تلك القواعد الراسخة المحفوظة بحفظ الله كحفظ كتابه العزيز الذي حفظته المملكة وتمسكت به وسارت على نوره وستسير شامخة إلى قيام الساعة بإذن الله.

alsuhaimi_ksa@