علي المطوع

أمريكا وسط حراسة مشددة

الاحد - 24 يناير 2021

Sun - 24 Jan 2021

الأنباء المتواترة التي صورت الأحداث المتوترة في العاصمة الأمريكية واشنطن قبل وأثناء عملية تنصيب الرئيس الأخيرة، أظهرت أن هذه الاحتفالية حرسها أكثر من 25 ألف عسكري، في سابقة هي الأولى من نوعها في حفل تنصيب رئيس أمريكي جديد.

الحضور الإعلامي في يوم التنصيب كان أكبر من النخب على المنصة وفي المكان، وهذا يعكس قدرة الميديا بكل أشكالها العتيقة والجديدة على تشكيل الواقع السياسي وتوجيهه حسب ما تقتضيه المصالح الظاهرة والخفية، هذا الإعلام الذي ناصب ترمب العداء وكان أداة مسخرة لخدمة خصومه، وذلك من خلال تأطيره في صورة تناقض القيم الأمريكية الأصيلة المتمثلة في الحرية والعدالة والمساواة.

في يوم التنصيب الجديد غاب الرئيس القديم وبقي شيء من لوازم حقبته، تجسد في شخص نائبه بينيس، الذي أراد من ذلك تأكيد ورضى الجمهوريين بعدالة الديمقراطية الأمريكية ورضاهم بما آلت إليه نتائج صندوقها العجيب.

رؤساء سابقون كانوا ضمن الاحتفالية الأخيرة، وهذا تأكيد بعراقة الديمقراطية الأمريكية ونزاهتها، والرضى الذي يتغشى الرؤساء قديمهم وحديثهم واعترافهم بأن نموذجهم السياسي هو آخر ما سيصل إليه العقل البشري وإنسانه الأخير في أنظمة الحكم وأساليب الحياة.

ترمب كرئيس أمريكي كان نافذا على مستوى العالم، جاء إلى الواجهة بخلفية شعبوية أرادت الانتصار لأمريكا الأصلية؛ أمريكا البيضاء، أمريكا التي تريد النأي بنفسها عن بعض الصراعات والقيم العتيقة والانشغال بالداخل الأمريكي والانكفاء على المصالح الوطنية الصرفة، بعيدا عن الشعارات القديمة التي أخذت أمريكا إلى فضاءات بعيدة وأبعاد سحيقة، وإن كان فيها شيء من القيادة والريادة، إلا أنها كانت وما زالت عبئا ثقيلا على هذه الإمبراطورية التي رأى ترمب والمؤمنون به أنه قد حان الوقت للعودة إلى الداخل الأمريكي والاشتغال به وبإنسانه الذي يبحث عن حياة أفضل وأكمل حتى لو كان ثمنها بعض الوهج الأمريكي في الخارج.

كل ذلك سبّب حالة من الانقسام بين النخب الأمريكية، بل داخل الحزب الجمهوري نفسه الذي رأى في بعض سياسات ترمب المتسارعة والمسعرة، انقلابا على أمريكا الكيان، قبل أن يكون انقلابا على بعض المفاهيم المحلية، تجلى ذاك الانقسام في عملية اقتحام مبنى الكونجرس ومشاهدة صور بلطجية كانت سابقا حصرا وحكرا على بعض دول العالم الثالث، مما جعل العالم يذهل ويصعق لما وصلت إليه الحالة الديموقراطية الأولى في عقر دارها وفي أقدس رمزياتها وهو الكونجرس الأمريكي.

واليوم وبعد رحيل ترمب وسياساته، تعود أمريكا إلى عهدة الحزب الديمقراطي ومبادئه وشعاراته، في ظل نشوء معسكر مضاد لا يؤمن بتلك المبادئ، وفي أحسن الأحوال تظل تلك المبادئ مختلفا عليها وعلى موقعها على سلم الأولويات لأمريكا، هذا الأمر سيزعزع الداخل الأمريكي، وينبئ بحالة أعنف من الاستقطابات الحادة والانقسامات القادمة، لعل أخطر إرهاصاتها ما رآه العالم في حفل التنصيب الأخير، عندما زُفت الديموقراطية في يومها الرئاسي الجديد في ظل أسلوب بروتوكولي مشوه وانقسام شعبي غير مسبوق ووسط حالة أمنية مشوشة ومشددة!

alaseery2@