زيد الفضيل

الليبرالية هي الحل

السبت - 23 يناير 2021

Sat - 23 Jan 2021

وأنا أشاهد حفل تنصيب الرئيس بايدن، وألحظ ما احتواه من صلوات وترانيم دينية، وما اكتنفه من بهجة وسرور واستماع جميل لمقطوعات موسيقية، تذكرت بفرح وحبور قرار ولي العهد الأمير محمد بن سلمان التاريخي، الذي أعلن فيه بأنه سيدمر كل مفاصل التشدد والانغلاق التي زرعها مشايخ «الصحوة» في نفوس وأذهان أبناء مجتمعنا على مدار أربعين عاما.

وحتى لا ننسى وليدرك أولادنا قيمة القرار المفصلي الذي اتخذ من قبل ولي العهد، أشير إلى أننا كمجتمع قد أرهقنا بصراعات ما أنزل الله بها من سلطان، حيث عمل أولئك المشايخ من السروريين وغيرهم على تحريم ما ليس محرما، وتضييق المباح، ووضع الحواجز الفقهية حول ما أحله الله لكونه يخالف وجهة نظرهم، وكل ذلك بحجة سد الذرائع، وهي حجة لا أساس لها في كتاب الله وسنة رسوله الصحيحة، وهكذا ساق أولئك المشايخ الناس وفق ما أرادوه من توجه، وليس وفق مراد الله، وقتلوا مفاصل السعادة في حياتهم، في الوقت الذي أحلوا لأنفسهم الاستمتاع بملذات الحياة وما طاب لهم فيها من خيرات ومباهج.

وخلال تلك الفترة كنت وغيري نستغرب من سمت تشددهم في خطابهم الوعظي للناس، وتساهلهم مع أنفسهم، فعلى الناس أن يزهدوا ويرضوا بالقليل، وليس عليهم ذلك، وأذكر أن أحد الدعاة الجدد ممن اشتهر إعلاميا، وملأت صورته الشاشات المتلفزة، كان يتقاضى أجرا كبيرا عن حلقاته التي يحث الناس فيها على الزهد، ويذكرهم بأن متاع الدنيا زائل، ثم إذا خرج ركب سيارته الفارهة، وتوجه إلى جناحه الفخيم، وسافر في الدرجة الأولى، وأقام الولائم في قصره المنيف، وهكذا دأب أغلبهم للأسف الشديد.

على أني كنت أستغرب أكثر من تحجرهم في بعض القضايا الفقهية البسيطة، كقيادة المرأة للسيارة، وحجاب المرأة الإسلامي، وحالة الهستيريا التي تصيبهم في معارض الكتاب فقط بسبب الاختلاط الطبيعي بين الناس ذكورا وإناثا، وعجزت عن إدراك السبب الذي يدعوهم إلى هذا التشدد، وكم عانيت الأمرين بسبب ذلك، ولا سيما حين ترؤسي للبرنامج الثقافي بمعرض الكتاب الدولي بالرياض عام 2014، ثم مشاركتي في تنظيم معرض جدة للكتاب عام 2015، الذي نتج عنه إخراجي من المعرض جراء ترتيب مسرح واحد مشترك للضيوف المشاركين من السيدات والسادة، وأصدقكم القول فقد كان ذلك عصيا على وعيي حتى استمعت إلى حلقة الكاتب خالد العضاض مع الإعلامي عبدالله المديفر، ففهمت السبب وراء تحجرهم في تلك القضايا المباحة أساسا، وأدركت عمق خطورتهم مع انكشاف كثير من خبايا تنظيم السروريين وهم أخطر حركة إسلاموية وفق وصف ولي العهد، الذين كانوا ومعهم الإخوان المسلمون يستهدفون بخطابهم الديني السيطرة على مقاليد الحكم.

على أن الله قد لطف بنا بتسنم الأمير الشاب ذرى السلطة، وإدراكه الواعي لخطورة ما يخطط السروريون والإخوان له، فكان ما كان من قراره التاريخي، والعودة بالمجتمع إلى جذوره الأصيلة القائمة على قيمتي الحرية والاعتدال، وهما خصيصتان جاء نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ليحض عليهما، ويجعلهما منهج حياة، الأمر الذي وعاه الغرب التنويري بعد ذلك فجعل منهما أساسا دستوريا قائما إلى اليوم.

أشير في هذا الإطار إلى أني كنت قد كتبت مقالا في ملحق الرسالة الديني بجريدة المدينة في 17 يوليو 2009م وجعلت عنوانه الآتي «الليبرالية الإسلامية هي الاسم الآخر لحركة التجديد الديني»، وفيه أبنت بألا مشاحة في الاصطلاح، إذ «ليس الكلام على نية صاحبه، وإنما على ما توجبه ألفاظه ومعانيه»، وشددت على حاجتنا إلى خطاب عقلاني منهجي لصناعة نهضة علمية ثقافية، مع التحرر من سلطة الموروث الاجتهادي الفقهي، الذي قال به علماء سابقون ليعالجوا مسائل اجتماعية ودينية محكومة بظرفها وزمانها وطبيعة مجتمعها، ودون أن يقتضي ذلك الإقلال من شأنها، أو من مكانة قائلها، وبذلك تكون الليبرالية الإسلامية كمفهوم فكري تنويري معاصر، موازية لما يعرف تراثيا وتاريخيا بحركة التجديد الإسلامي؛ وهي كذلك تيار فكري ذهني ليس له علاقة بالجغرافيا وبالانتماء المذهبي والديني، فكم من شيخ مُعمَّم يفكر بذهن ليبرالي متحرر، وكم من أستاذ متفرنج في ملبسه ومظهره يحمل بين جوانحه فكرا تقليديا بسيطا، ولعل ذلك هو ما دعا الكاتب رفعت السعيد لأن يؤلف كتابا جميلا وسمه بـ«عمائم لبرالية».

أختم القول مشددا بأن ليبراليتنا المعاصرة تنطلق من مفاهيم إسلامية نبوية سامية، وتحتاج إلى قوانين ضابطة لترعاها، إذ لا نريد أن ننتقل من أقصى اليمين في تشددنا، إلى أقصى اليسار في تفلتنا، ولنتذكر أن المستفيد من أي تفلت يحصل هم أولئك الذين أرهقونا عقودا طويلة.

zash113@