عبدالله الأعرج

لماذا يكذب الناس؟

الاحد - 17 يناير 2021

Sun - 17 Jan 2021

يكذب الناس غالبا حينما يكون الصدق مزعجا وباهتا وغير مبرر. هذا سبب تفادي الصدق لدى شريحة كبيرة من الناس في طيف واسع من المجتمعات.

وبعيدا عن قيمة الصدق وأهميته في خلق حياة سليمة ومعافاة من العلل، والتي يطول الحديث عنها، دعونا نسبر أغوار عقول الكاذبين لنفهم المسببات الحقيقية والارتباطات المنطقية بين الأحاديث المزيفة والنتائج المتوخاة من منظور من يقدم على ذلك الفعل، لنصل سويا لخاتمة قد تتوافق مع السلوكيات ومسبباتها والنتائج وإجراءاتها.

في المجتمع الصغير (الأسرة) قد يكذب الابن والبنت والزوج والزوجة أو أحدهم ليتفادى العتاب أو العقاب، وقد يكذب ليحصل على الثواب، وقد يكذب لينال ما ليس له، وفي كل هذه الأحوال فإن من يزيف الحقائق ليحصل على مبتغاه سيفقد قيما عظيمة، هي: الثقة بالنفس، وتحمل نتائج القرارات، والشجاعة الأدبية للمنافحة عن الرأي الحر والمستقل، والراحة النفسية النابعة من عدم التفكير في صنع موازنات مستقبلية تتوافق مع حجم الكذبة المقدمة سلفا.

وفي المجتمع الوظيفي قد يكذب بعض الموظفين لأسباب إضافية، مثل: تفادي العقوبات النظامية، خلق إنجازات وهمية، تصفية حسابات شخصية، إثارة قلاقل في البيئة العملية ناسيا أو متناسيا ما سيترتب على هذا الفعل من تباطؤ وتيرة الإنجاز، وحرمان المستفيد من حقوقه، واختلال منظومة العمل، وتزايد وتيرة التشكي، ونشر السلبية بين العاملين، وخلق صورة غير محبذة عن كيان العمل أمام المسؤول وفي أوساط المجتمع الخارجي.

وقد يكذب البعض في وسائل التواصل الاجتماعي طلبا لزيادة المتابعين، ولفتا لأنظار المهتمين، وإثارة لحفيظة المحافظين أو استفزازا لمشاعر الملايين، وما علم هذا أنه قد جعل من الفضاء الحر مرتعا لكل ما يضر، فالحرية والضرر لا يلتقيان أبدا، والحرية الالكترونية في جوهرها لا تعني التضليل والإسفاف، وتشويه الحقائق، وصنع منصات لإثارة الكراهية، وتضليل عامة الناس وخاصتهم، وتخصيص منبر مكين لغرض مهين!

وقد يكذب بعض الناس بعد أن أصبح هذا السلوك عادة تلازمهم، فتراه لا يحلو له المجلس إلا بعد أن يقدم بين أيدي الحاضرين قرابين من الأوهام، وقصصا لا تتطابق مع أي زمان أو مكان، ظنا منه أن هذا الفعل يبني له حضورا طاغيا، وجاها واسعا، واهتماما من قبل السامعين، واحتراما من كل الجالسين، وهو في واقع الأمر لا يعلم أنه قد يكون أضحوكة بعد مغادرته بسبب سوء فعله، وجليسا غير محبذ لانعدام الثقة بكل ما يقوله، وهدفا سهل المنال لأهل النكتة وأصحاب القنص والاقتناص.

وقد يكذب المهني ليقوم بعمل في مكان آخر، والتاجر ليبيع السلعة المغشوشة، والأكاديمي ليحصل على الترقية العلمية المشبوهة، والمحامي ليظفر بالقضية، والمدير ليخادع رئيسه، والاقتصادي ليرفع أسهمه، والطبيب ليتخفف من حمله، ومدعي التدين ليستمر في خداعه، والمعلم ليحظى بمراده، والطالب لينال غير درجته المستحقة، فالكذب لا ينتمي لفئة محددة ولا يقر لأشخاص محددين بوصال.

وماذا بعد؟ وهل كل هذه النتائج المترتبة على الكذب تستحق الإقدام عليه عيانا بيانا في رابعة النهار؟ لماذا يكذب بعض الناس وهم يعلمون علم اليقين أنهم أضعف ما يكونون وهم يكذبون؟ وهب أن أحدهم كذب ونال مراده من كذبته، فهل يا ترى سيستمتع (نفسيا) بتلك النتيجة التي تحمل كل الفتن والمغريات ما خلا النقاء والنزاهة والراحة الداخلية النابعة من الرضى عن المحصلة وإن تواضعت؟

الفاتورة الختامية لهذا السلوك ستؤكد لنا على الدوام أن الكذب صفة لا يمكن أن تكون إلا شرا محضا بكل القوانين والنواميس الإلهية والفطرية والكونية، لذا فإن الخالق سبحانه صفع من يقدم على هذا السلوك المشين بأسوأ ما يصفع به مذنب، فقال في حقه «ألا لعنة الله على الكاذبين».

dralaaraj@