شاهر النهاري

فلسفة القطيعة ومكتسبات المصالحة

الاثنين - 11 يناير 2021

Mon - 11 Jan 2021

الغضب والجفاء والقطيعة طباع إنسانية، تحدث على مستوى الفرد ولو في جوف منزله، وهي تحدث بين المجتمعات البسيطة، وربما تتعاظم مساحاتها فتحصل بين الدول، كما شهدنا فيما حدث بين الدول المقاطعة لقطر، وربما تكون قطيعة أكثر جدية وخطرا، بحيث ينشب في خضمها ثأر داحس والغبراء، وبلوغ الحروب العظمى.

وعند حدوث المصالحة بين الأطراف المتنافرة، يكون الصلح مسألة نسبية، تعتمد على مدى الضرر، والظروف المحيطة بالطرفين، ومدى أصالة وقوة العلاقات القديمة بينهما، ووجود المصلحين المتفانين، أو تفاني من يشعلون الفتنة كلما خمد الفتيل.

وتطول أو تقصر فترة القطيعة حسب وجود الطرف الظالم المستفيد من القطيعة، وخبث أصحاب المصالح من يستهويهم الحمص في كل مولد.

وتزداد نسبة الفجور في الخصومة كلما كان هنالك سحب لبساط الأخلاق بين الطرفين، وثبوت التعدي من الصغير على الكبير، وعدم الاعتذار وحفظ المقامات، وكلما كانت أطراف القطيعة متعددة كان رأب الصدوع وما بعده أكثر صعوبة، فطرف عنيد بحركة نذالة، أو قناعة شكلية، تحركها الرغبة في تحقيق الذات، ربما يعيد أسباب الخصام، وقد يضخم القطيعة وينحر الروح الأخوية المتسامحة بين الأطراف الأخرى، ويعكر صفاء النية، ويثبط تدخل الحكماء والكبار، للم الشمل وتلافي أي تجاوزات، ومحو الأحقاد، ومنع العلاقات من ركوب دراجة البهلوانات.

وما نراه في مصالحة الخليج حتى الآن أمر عقلاني محترم، متعدد أطراف الثقة، ولا بد من سعي الجميع حثيثا، لإبقاء الحد الأدنى من الاحترام بينهم، وعدم الاندفاع في المصالحة للحد، الذي قد لا يكون مدروسا، فيعيد الأسباب، ويضخم العنتريات.

من يصالح يرتقي ويصفح، فلا يعود ينظر للصغائر، ولا يحرج من يرى منه أي زلة بسيطة، ويحتويه لمنع أي تحور جيني لبلوغ مقاطعة جديدة.

هنالك أساسيات يجب أن تثبت، وتكتب بوضوح، لتكون نبراسا ونهجا لأي عمل مشترك مستقبلي، وهنالك مصداقية وأمانة يجب ألا تتركا مهملتين يتراكم عليهما الصدأ، وهنالك حدود يجب عدم تخطيها، ولو بالنية الطيبة أو المزاح، وهنالك مراحل حساسة تُلتزم لتعظيم الثقة، ومساحات مصارحة وتقدير لوضع المقابل، حتى لا تحسب عليه الزلات فرادا، وتصبح كومة يصعب إجلاؤها أو تخطيها مستقبلا.

ما بعد المصالحة مرحلة كسب ثقة، بنوايا محبة خالصة، وكلما حضر الميزان حضر الإيثار، ومهما كان بالنفس من خصاصة.

القطيعة تجربة مريرة، والعودة بعدها لن تكون بنفس الروح، فالتجارب تجرح، وإن لم تفضح، والنهر لا يعود بعد قطع المسار بنفس مكونات صفائه، والعقل الواعي هو من يعرف تقاطر الموجات، وإعاقة الوقفات، وحجم الدروس، وتباين قدرة الأنفس والعقول على هضمها، والتأني مئات المرات قبل الغضب والعودة لما يزرع الشقاق، ويكتب القطيعة مجددا.

قد تهون القطيعة بين شخص وشخص وإن استمرت طوال العمر، طالما أن تأثيراتها لا تبلغ غيرهما، ولكن ما حدث في الخليج أثر على الملايين، ممن لم يكن لهم حيلة، وهنا تكمن الحكمة، والمسؤولية العامة المقدرة للظروف، على من بيده المقاطعة والصلح.

ما بعد المصالحة المتوقع عمل جليل للأجيال القادمة، ومن ينظر لها كأزمة وقتية قد يتحمس ويعيد نفس الأخطاء، ويكلس الحدود، ويكتب تاريخا من البعد، بقلب من الصخر، ويد من الغدر مزخرفة برقصة خنجر.

shaheralnahari@