فيصل الشمري

التيار المحافظ وترمب

الاحد - 10 يناير 2021

Sun - 10 Jan 2021

لن تمر الأحداث المخزية في مبنى الكونجرس بالعاصمة واشنطن يوم الأربعاء 6 يناير مرور الكرام، ولن تنسى هذه الأحداث في وقت قريب. هجوم الغوغاء على صرح من صروح الديمقراطية الأمريكية والعالم يتفرج يؤثر على فكرة الديمقراطية نفسها.

مثل هذه الأحداث نربطها عادة بجمهوريات الموز وليس أمريكا التي أطلق عليها الرئيس أبراهام لنكولن «آخر أمل على الأرض».

بالنسبة للديمقراطيين والحزبيين وأبواقهم الإعلامية هي فرصة من ذهب للمكاسب السياسية. الآن يدينون الفوضى والتدمير الوحشي للممتلكات وأي عاقل يجب عليه إدانة أحداث الكونجرس، لكن النفاق السياسي يتجلى في رفضهم المنهجي لإدانة الهيجان المروع الذي استمر لأشهر من أنتيفا ومنظمة حياة السود في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية.

أشارت استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أن نحو 40% من الأمريكيين يشككون في شرعية الانتخابات الرئاسية الأخيرة، الديمقراطية الأمريكية تمر بأزمة حقيقية حتى قبل أحداث الكونجرس المخزية.

لكن هذا النفاق السياسي والحنق والافتقار إلى الوعي الذاتي يجب ألا يحجب الحقيقة، وهذا يأخذنا إلى الرئيس ترمب والحزب الجمهوري وحالة الفكر المحافظ في أمريكا.

كان انتخاب ترمب عام 2016 هزة مستحقة للنخبة السياسية في الحزبين الديمقراطي والجمهوري، ترمب لم يهزم السيدة كلنتون فحسب، بل هزم أعتى السياسيين الجمهوريين قبلها.

هز فوز ترمب أيضا فئة الداعمين للحزب الجمهوري من التجار والشركات الكبرى ذات التوجه الليبرالي الوسطي في ملفات الهجرة والعولمة الداعمة للحزب الجمهوري، القاعدة الجمهورية الناخبة اختارت من خارج القواعد الحزبية.

ترمب رجل العقارات الغريب والمتمرد والعنيد الذي ارتقى إلى الصدارة من خارج المؤسسات الحزبية المحافظة التقليدية، ترمب كان قادرا على كسر الجمود والوقوف أقرب مع الناخبين الجمهوريين بشأن قضايا مثل الهجرة والاقتصاد والسياسة الخارجية.

في حين أن ظاهرة ترمب كانت زلزالا مفيدا أجبرت المحافظين على إعادة النظر في الفرق بين مبادئ الفكر المحافظ الخالدة والسياسات الدورية الروتينية، فشل الرئيس الخامس والأربعون إلى حد كبير في ترك أجندة محافظة بناءة وموضوعية وتطلعية في فترته الرئاسية، فشل إلى حد كبير، في أن يكون رئيسا لجميع الأمريكيين كما فعل ريغن.

ترمب والإعلام في شقيه اليميني واليساري وقادة الحزب الديمقراطي زادوا الاحتقان السياسي في الشارع الأمريكي.

هذا ليس خطأ ترمب وحده، فقد ظل عدد كبير جدا من المسؤولين في الإدارة والموالين للحزب الجمهوري متشبثين بالطريقة التقليدية للحزب، فلم يتعلموا أن الناخب الذي أتى بترمب يريد من الحزب أجندة محافظة تعيد توهج الفكر الاجتماعي والاقتصادي المحافظ والقيم الأمريكية التي جعلتها دولة عظمى.

لحسن الحظ توجد الآن شبكة مترامية الأطراف من المؤسسات الفكرية والإعلامية المكرسة لتجسيد أجندة «اليمين الجديد»، وهي أجندة أكثر حصافة وأقل ارتباطا بالعقيدة المجردة، أكثر صراحة مجتمعية وحماية للدين والعائلة النواة والقيم الأمريكية، وأكثر تركيزا على الصالح الوطني والصالح العام على الإفراط في إلغاء القيود الاقتصادية والثقافية التي تعد من السمات المميزة للنيوليبرالية بعد الحرب العالمية الثانية.

على ضوء أحداث الكونجرس وخسارة سباقي مجلس الشيوخ في جورجيا والطريقة المخزية التي تصرف بها ترمب خلال اقتحام الكونجرس، من الضروري بالنسبة للحراك الفكري اليميني المحافظ الجديد الناشئ حديثا أن يرحل ترمب بعد 20 يناير.

من غير المرجح أن يفعل ذلك، الجانب الآخر من لا مبالاة ترمب تجاه الأعراف السياسية الراسخة التي ساعدته في فوز 2016 هو غروره الكبير وحاجته القهرية إلى أن يكون محل اهتمام الجميع في جميع الأوقات، هذا الغرور كان ثمنه باهظا، خسارة البيت الأبيض ومجلس النواب والشيوخ.

كانت في هذه الانتخابات الغريبة مخالفات لا تعد ولا تحصى، وقد أفسدها انتشار استخدام البريد في التصويت، لكن من غير المرجح أن يكون هناك ما يكفي من المخالفات لتغيير هامش النتيجة وأصوات الهيئة الانتخابية.

مما لا شك فيه أن إصرار الرئيس على عكس ذلك خلال الشهرين الماضيين ساعد في إغراق الجمهوريين في جورجيا وتسليم مجلس الشيوخ إلى الديمقراطيين بشكل كارثي.

وربما كان قراره غير المسؤول إلى حد كبير بإثارة حشد الجماهير في أحداث الكونجرس الشعرة التي قصمت ظهر البعير، تم ذلك تحت شعار «اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى»، ترمب يمكن أن يسمم التيار المحافظ الجديد. هل يستطيع المحافظون الآن الوقوف مرة أخرى لبناء تيار ذي مغزى وموضوعية؟

حان الوقت للمحافظين، الذين سيقضون السنوات الأربع المقبلة في المنفى السياسي، ليصنعوا أجندة حكم بناءة من هذه الأنقاض المنهارة الآن. القيام بذلك يتطلب أن يبتعد ترمب عن الطريق.

mr_alshammeri@