علي المطوع

الأزمة الخليجية..مقاربات ومقارنات

الاحد - 10 يناير 2021

Sun - 10 Jan 2021

نجحت قمة العلا في احتواء الأزمة الخليجية الأخيرة، وفتحت المملكة أجواءها ومنافذها أمام الشعب القطري وخطوط طيرانه، لتعود المياه إلى مجاريها ويعود القطريون إلى عمقهم التاريخي والجغرافي والحضاري، وليسدل الستار على أعنف أزمة كادت أن تصادم وتصادر كل مفاهيم وأشكال التعاون الخليجي.

التاريخ ليس حكايات منفصلة ولا زوايا وأحداثا معزولة عن بعضها، التاريخ ترابط بين ظروف وشخصيات ونزاعات ونزعات تعيد تكرار الحدث وإن تغير زمانه ومكانه.

الربيع العربي كان حدثا طارئا على المجتمعات العربية، أريد له أن يكون نواة ومنطلقا لحالة ترتيب جديدة وغريبة للمنطقة، وتراتبية متغيرة على مستوى الكيانات والرموز والشعوب، بُشر بهذا التغيير قبلا من خلال تدشين مصطلح الشرق الأوسط الجديد، ودفعت إدارة أوباما لاحقا المنطقة العربية إلى حافة الهاوية بعدما غيرت قواعد اللعبة وانحازت للفوضى على حساب مصالح الشعوب،كل ذلك خدمة لذلك المشروع المسمى بالشرق الأوسط الجديد.

الجزيرة كمنصة إعلامية مهمة ساهمت في رعاية أحداث هذا الربيع وتغطيتها وتغذيتها، وإخراجها إعلاميا من سياق الفوضى والخراب والدمار إلى فضاءات وردية وأحلام سعيدة تنتظر الشعوب، من خلال شرعنتها وتأطيرها لتكون الخيارات المثلى والمنتظرة للشعوب العربية، بعدها خبأت نيران وأنوار الربيع العربي وأصبحت أمريكا تراقب الوضع من بعيد، وفي هذه الأثناء حصلت تغيرات في المنطقة، فغابت زعامات وحضرت زعامات وظهرت أنظمة وغيبت أخرى!

حضرت الأزمتان الخليجيتان الأولى والثانية بعد أن هدأت الثورات متسلسلة وفق تراتبية الأحداث وسياقاتها الطبيعية في العالم العربي، ليتأكد للناظر الحصيف أن كلتا الأزمتين خرجتا من رحم ذلك الربيع المشؤوم، والسبب كان وما زال حالة التباين بين المعارضين والموالين لهذه الأحداث.

أنصار الثورات، خاصة في الجزيرة، يرون أن حراكه لم ينته بعد! تصدق نبوءتهم من حيث لا يعلمون، وتطل علينا الأزمتان الأخيرتان كأحد مخرجات ذلك الربيع الدموي وتكون في الخليج العربي، وهنا يكون السؤال: ألم تع بعض العواصم الخليجية أن هذه الثورات خطيرة جدا، وأن تبعاتها ستطال الجميع وستظل مشتعلة متمثلة في صور من الخلافات والاختلافات التي قد تنشأ نتيجة لحالات التباين بين الفرقاء؟

في الأزمة الأخيرة ما انفكت الجزيرة تردد أن الشعب القطري قد ظلم بهذا الحصار، ومع تجاوزنا للمسميات إلا أن ذلك يثبت أن نيران هذه الفوضى لم تستثن أحدا حتى من كان يدعمها ويبشر بها، خاصة أن تبعات هذا الربيع ما زالت تستغل من دول إقليمية ودول بعيدة تحاول النفاذ إلى منطقة الخليج الغنية بالغاز والنفط والسيطرة عليها من جديد.

يردد رعاة الربيع العربي العربي أن المنطقة العربية كانت قبله شيئا وأن ما بعده شيء آخر، ومنبر الجزيرة بعد ذلك يردد أن قطر بعد الخامس من يونيو 2017 ليست قطر قبل ذلك، وهذا حكما يقتضي ويقابل أن يُقال أيضا إن الشعوب الخليجية والشعب القطري خاصة، قبل هذا التاريخ شيء وبعده شيء آخر، كونه تشبع بمفاهيم سياسية جديدة كانت نتاج الأزمة الأخيرة الطويلة نسبيا وخطابها الإعلامي المختلف والمخالف، فالمواطن القطري كان محور حراك سياسي غير مسبوق في الخليج العربي، صاحبه ضخ كميات هائلة من المعلومات والقناعات من خلال وسائل الإعلام قديمها وجديدها، ربما تكون قد شكلت مفاهيم وقناعات مؤقتة عنده وعند الآخرين.

لكن المرحلة القادمة، وأعني ما بعد المصالحة، ستكون مرحلة سكون للوضع الرسمي بشكل عام، لكن هذا السكون سيكون مرتعا لإعادة حسابات الجماهير بنخبهم ودهمائهم، والتساؤل من جديد: ما نهاية مفاهيم هذا الربيع العربي المشؤومة، الذي دشنه الغرب ورعاه واختار اسمه وتوقيته ومسرح نشأته وتشكله؟ وما هي الغايات من تأجيجه مفهوما قبل أن يكون شرا مستطيرا في بلدان مجاورة كانت نسبيا تنعم بالخير والرفاه والأمن والاستقرار قياسًا بما آلت إليه أمورها حاليا؟

أسئلة كثيرة تظل مشرعة ومشروعة لأن الشعوب تنمو وتنضج من خلال تجاربها وقد تُغير وتتغير، إلا أن الأمن والاستقرار والرخاء تظل مطالب إنسانية مشتركة للشعوب الخليجية والعربية، أثبتت المآسي في كثير من البلدان أن الربيع العربي لم يوفرها، ولم ولن يكون أرضا خصبة ولا مناخا مثاليا لاحتوائها، فضلا عن نموها وازدهارها.