زيد الفضيل

الكلمة الفيصل

السبت - 09 يناير 2021

Sat - 09 Jan 2021

نحن العرب تسحرنا الكلمة الطيبة، تأسرنا وتهيمن على أفئدتنا، بل تأخذها لمسارات أخرى كلها ورد وريحان، ولذلك كانت الكلمة ولم تزل مفتاح كل أمر، وباب كل حكمة. هي ميثاق شرف، ووثيقة أمان لكل حي يرتجي العيش بسلام، ولعمري فلا أظنها إلا خصيصة عربية كانت ولم تزل متأصلة في نفوس أبناء هذه الأرض، الشامخة بأوتادها، الزاهية برمالها، التي اصطلح على تسميتها جغرافيا باسم شبه الجزيرة العربية.

بالكلمة الطيبة صدح ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بصوت مكتنز بالبهجة والسرور وهو يرحب بأخيه أمير دولة قطر الشيخ تميم آل ثاني حال نزوله من سلم الطائرة قائلا: «يا الله حيّه، نورت المملكة»، حقا للكلمة الطيبة سحرها الذي جذب النفوس لتتصافح معانقة، متجاوزة كل التنبيهات

وإجراءات السلامة الدولية القائمة مع جائحة كورونا، فللكلمة وقع لا يعرف مداه وقوته سوى أبناء الأرض العربية الأصيلة، وكم جبلا يسقط وتتلاشى أوداجه بكلمة صادقة وقول طيب، وهو ما لا يدركه الآخرون من خارج منظومتنا العربية، أو من أولئك المتطفلين على هويتنا زورا وبهتانا، فكان أن لاكوا بألسنتهم بما لا يجب خلقا ومروءة، وكأني بهم عازمون على إكمال نباحهم بعد خروجهم من صدمة الكلمة وما ترتب عليها من موقف أصيل، غير أني مؤمن بأن أصواتهم النشاز لن يكون لها أثر يُرتجى في المستقبل المنظور، ومؤمن بأن قيم المروءة العربية الأصيلة غالبة في نهاية كل مطاف، وكم يحضرني في هذا السياق وصف الشاعر المكي عمر بن فيصل آل زيد في قصيدته الحمينية لمآل تلك الأصوات النشاز التي ستختفي ويتلاشى أثرها حين يصدح الأصيل بقوله، ويبرز للميدان بقيمه وهمته العالية، وفي ذلك يقول:

كل صوت يِجي نشاز ونبرته مبحوحة

ينطفي لي هَلْ وَبْل الغيث من رعّادة

دامت إن القالة اللي غيّمت مذبوحة

ما حسبنا هرجة الهراج والنقّادة

نعم، إنه الواقع الذي عاشه جيلي فترة من الزمن بأسى واستغراب، فنحن جيل ترعرع منذ نعومة أظافره مع مجلس التعاون الخليجي، وترقبنا جلسات قادته سنة بعد سنة، وتعلقت قلوبنا بنشاطه الكروي السنوي، بل وصرنا لحمة واحدة في مواجهة مختلف التحديات، وكان المجلس ولم يزل آخر معقل من معاقل الأمان العربي، ولذلك كان خوفنا من تداعيات الموقف خلال السنوات الثلاث السابقة، مع إيماننا بأن في الحزم إصلاحا، وفي القسوة تربية، مصداقا لقول الشاعر: «فقسا ليزدجر، ومن يكُ حازما فليقس أحيانا على من يرحم»، وأحسب أن ما جرى كفيل بأن يعيد مسار المجلس إلى طريقه الذي يجب، خاصة أن العالم بوجه عام، والإقليم على وجه الخصوص يشهد تحديات متنوعة على الصعيدين الاقتصادي والصحي، علاوة على السياسي وما يترتب عليه من إشكالات أمنية وعسكرية، ومن ثم فما أحوج مجلس التعاون اليوم لأن يستعيد عافيته، ويبدأ مشواره بشكل متجدد وقوي انطلاقا من مصالح دوله المشتركة وليس غيرها، وما أكثر وأعمق تلك المصالح إن تم التخطيط لها بعمق ووعي ورؤية معاصرة.

أشير في هذا السياق إلى أن المملكة العربية السعودية كانت ولم تزل الوتد الرئيس الذي تستند إليه دول مجلس التعاون في أحلك الظروف، وهي عمود ارتكاز شبه الجزيرة العربية بحكم موقعها ومركزيتها على الصعيد الديني والسياسي والاقتصادي، الأمر الذي جعل منها رقما صعبا يستحيل تجاوزه دوليا وإقليميا، وكم هو دقيق في تعبيره الأمير الشاعر خالد الفيصل حين قال في قصيدته الناطقة بلسان الحال، مرحبا بانعقاد قمة مجلس التعاون الأخيرة التي أُطلق عليها: قمة السلطان قابوس والشيخ صباح، حين قال:

قبلة الإسلام ورياض العرب

تجمع الرواد في بلاد العجب

عاشت بحلمٍ وقامت في عمار

لين صارت بالبها عز الطلب

ما ينافسها بديل ولا مثيل

كل شيٍ عندها موجب سبب

وزنها بالعقل ترجح به كثير

ما يقوّمها فرح ولا غضب

تزيّنت بضيوف سلمان الفعل

اللي إذا قال افعلوا قلنا وجب

وصارت بداوتنا مصانع وابتكار

والحاسب الآلي مع طفل لعب

من يقول إن العرب متخلفين

وبلادنا تروّض الرقم الصعب

أخيرا، كم أحب أن أختم بما ابتدأت به، فأشيد بالكلمة التي اهتم بمعناها ودلالتها أسلافنا على ثرى هذه الأرض المباركة، وما أجمل تشخيص الكاتب والأديب عبدالرحمن الشرقاوي لمعنى الكلمة وقيمتها حين قال على لسان الحسين رضي الله عنه في نصه الأدبي الرائع «الحسين شهيدا»: «ما دين المرء سوى كلمة، ما شرف الرجل سوى كلمة، مفتاح الجنة في كلمة، ودخول النار على كلمة، وقضاء الله هو كلمة، الكلمة نور، وبعض الكلمات قبور، بالكلمة تنكشف الغمة، إن الكلمة مسؤولية، إن الرجل هو كلمة».