طلال الشريف

صانع التاريخ ومصمم المستقبل

السبت - 09 يناير 2021

Sat - 09 Jan 2021

ما كان لولي العهد الأمير محمد بن سلمان أن ينجح في إذهال العالم وإلهام الآخرين من حوله بإعادة اكتشاف بلادنا من حيث مقوماتها وصيرورة تاريخها والتحول والتقدم المتنامي والمتتالي بتغيير نمط إدارتها وعصرنتها وفق منظور استراتيجي غير مسبوق؛ لو لم يكن أمامه قائد عظيم وملهم وصانع للتاريخ، فالتاريخ يصنعه العظماء فقط كخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، الذي أحدث تحولا نوعيا داخليا وخارجيا، مبنيا على رصيد هائل من العلم والخبرة الإدارية والسياسية في بيت الحكم السعودي، على يد والده المؤسس وإخوانه الملوك السابقين يرحمهم الله، بالإضافة إلى معاصرته كثيرا من الأحداث والأزمات الدولية ومشاركته في صناعة القرارات إبان فترات الحكم السابقة، فضلا عن توليه إمارة العاصمة الرياض لعشرات السنين كان فيها أنموذجا للحاكم الإداري والقيادي السياسي المحنك.

ومع تولي الملك سلمان الحكم كان التحول الأساسي في الداخل بتغيير آلية التعاقب القيادي في نظام الحكم، ومنح الشباب من الجيل الثاني للأسرة المالكة فرصة تولي المناصب والمسؤوليات في إدارة شؤون الدولة، ليغلق أفواه المتحدثين عن شيخوخة الدولة والمتنبئين بسقوطها، والعمل على إعادة هيكلة كيان الدولة ومؤسساتها وطبيعة ممارساتها التقليدية، وعلاقاتها الدولية ومستوى تأثيرها في صناعة القرار العالمي، ليس بالنفط كما كان الحال لعشرات السنين، وإنما بالقوى الناعمة المتعددة في صورها وأشكالها، وبالصورة الذهنية الجديدة عن بلادنا، إضافة إلى تأييد الملك وإقراره رؤية 2030 الاستراتيجية التي اقترحها ولي العهد مصمم المستقبل لتحويل اقتصادنا من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد إنتاجي، وتمكين ولي العهد وتفويضه بكثير من الصلاحيات والمسؤوليات المحلية والدولية في تناغم وانسجام كبيرين في الرؤى والأفكار والأهداف والاستراتيجيات.

ولأن بلادنا تمثل ثقل العالم الإسلامي وقلبه النابض، جاءت سياسات الملك سلمان الخارجية متوازنة بنظرة ثاقبة لتطلعات القوى الإقليمية، ومدركة للأطماع التوسعية لبعض تلك القوى، ومراعية للتوازن القوى الإقليمية، وداعمة للحفاظ على مصالح المنطقة وضمان استقرارها، وكان أبرز القرارات دعم الشرعية في اليمن باتخاذ قرار عاصفة الحزم ثم إعلان مشروع إعادة الأمل في اليمن، ومد يد العون للعراق الشقيق لمساعدته على التخلص من السيطرة الإيرانية على مفاصل الدولة ومؤسساتها، والعمل على إعادة العراق لمحيطه العربي، ودعم جهود السلام في سوريا لحقن دماء السوريين والمطالبة بخروج الميليشيات المدعومة من إيران وتركيا والمحافظة على وحدة سوريا، واستمرار دعم القضية الفلسطينية وحق الفلسطينيين في وطنهم وفق المبادرة العربية رغم الإساءات التي تتعرض لها المملكة من بعض الساسة الفلسطينيين.

لقد تجلت عظمة وحكمة الملك سلمان بن عبدالعزيز بوصفه قائدا استراتيجيا في الصبر على ممارسات النظام الإيراني ودعمه المباشر والمعلن لميليشيات الحوثي، وسعى الملك إلى مواجهة إيران بدبلوماسية النفس الطويل، من خلال تعرية ممارساتها، وكشف تدخلاتها في الشؤون الداخلية لدول المنطقة ودعمها لأعمال التطرف والإرهاب والمذهبية، مع التأكيد المستمر على دعوتها إلى حسن الجوار واحترام مبادئ القانون الدولي، ولفت نظر العالم والقوى العالمية خاصة إلى تلك الممارسات اللا مسؤولة من النظام الإيراني التي تهدد الأمن والسلم الدوليين.

وتأتي المصالحة الخليجية في مرحلة حساسة للغاية سعى فيها الملك سلمان إلى المحافظة على وحدة الصف الخليجي مع تزايد أطماع بعض القوى الإقليمية في بعض دول الخليج واستغلال مقدراتها ومواردها والعمل على شق الوحدة الخليجية وتفكيك نسيجها، وذلك باستعادة العلاقات مع دولة قطر وتجاوز كل الخلافات السابقة، لاستمرار مجلس التعاون الخليجي بوصفه أهم المنظومات التعاونية في العصر الحديث، والعمل على فتح صفحة جديدة من العلاقات القائمة على الاحترام المتبادل والثقة والمحافظة على استقلالية وسيادة دول المجلس وحقوقها ومواجهة التهديدات التي تتعرض لها دول المجلس من التدخلات والمطامع التوسعية الإيرانية.

وأتت قمة العلا بجهود خليجية بالدرجة الأولى من الكويت الشقيقة، وبدعوة من الملك سلمان وبإدارة شجاعة من ولي العهد، وتصدر بيانها التاريخي الشامل لحقوق وتطلعات والتزامات شعوب وحكومات دول مجلس التعاون الخليجي ليعكس حجم الترابط والتآخي والتاريخ والمصير المشتركين، لتوجه رسائل عديدة لمن يهمه الأمر، مضمونها أن دول مجلس التعاون ستبقى عصية على الطامعين والانتهازيين.

والحقيقة أن المتابع المنصف والمحايد لما وصلت إليه السعودية من تطور قياسي، يدرك أن الملك سلمان شخصية قيادية عالمية استثنائية تاريخية، لا تعمل لصالح شعبها فحسب، بل ولشعوب المنطقة والعالم، بمنظور وأفق استراتيجيين واسعين قائمين على الفهم الواعي للعالم المعاصر وتطوراته النوعية، ولسياسات الدول وسيادتها واستقلاليتها وتقاطع مصالحها وتطلعات شعوبها.

وما رئاسته لمجموعة قمة العشرين الأخيرة بكفاءة عالية في ظرف عالمي وبائي استثنائي نتج عنه عزل العالم بعضه عن بعض وتوقف حركة التجارة العالمية والحياة الإنسانية على وجه العموم، وتبنيه قمة استثنائية، إضافة إلى القمة الاعتيادية لمواجهة أزمة كوفيد -19 العالمية، والحد من آثارها على الاقتصاد العالمي، وتقديم الدعم السياسي والمالي لمواجهة الوباء، وتعزيز علاقات مجموعة العشرين وتضامنها وتعاونها ودورها في معالجة القضايا العالمية المشتركة؛ إلا دليل على براعته القيادية ومسؤولياته تجاه العالم. إنه بحق صانع التاريخ السعودي ومصمم المستقبل، يسير بخطى واثقة وحثيثة نحو غد أفضل من النماء والازدهار لوطنه خاصة وللمنطقة ودول العالم عامة.

drAlshreefTalal@