أحمد الهلالي

هل يندم المدافع عن وطنه؟!

السبت - 09 يناير 2021

Sat - 09 Jan 2021

لحقنا برحلة النقل الجماعي إلى الرياض، كان الشاب السبعيني مصلح يجلس أمامي على مقعد في وسط الباص، أما الراكبان الآخران فلا أدري أين ذهبا، غلبني النعاس على مرتبة الباص الوعرة، وصحوت على ضجيج الركاب، فتحت عينيّ وأرهفت سمعي لأستوعب الأمر، كان الجالس عن يساري يتحدث عبر الجوال: والحمد لله بدأت المصالحة الخليجية وأعلن الآن عن فتح الحدود الجوية والبرية والبحرية بين السعودية وقطر، وسيحضر أمير قطر قمة العلا، لعل عام 2021 عام خير وسلام وصحة.

شد حديثه انتباهي وشعرت بمشاعر مختلطة، بين السعادة والارتباك، فالأمر مفاجئ، وثمة أسئلة كثيرة تدور في ذهني، ففتحت تويتر رغم أن حسابي (موقوف) دون سبب، لكن باقة الإنترنت نفدت، فجاذبت جاري السعيد بالمصالحة أطراف الحديث، وكدت أن أسأله عن أسباب فرحته المتدفقة لولا رنين هاتفي، كان المتصل أحد المعارف، وبعد أن رحبت به وتحدثنا عن المصالحة، قال لي: الركادة زينة يا أحمد، فماذا ستفعل بمقالاتك عن قطر الآن؟ صدمني سؤاله، حتى أصابني التلعثم بسبب تدفق الكلمات في ذهني وتزاحمها في حنجرتي، فلم أزد عن قولي: لست نادما مطلقا على ما كتبت في الدفاع عن وطني، وتأييد موقف قيادتنا السياسية، فأنا أؤمن بحكمتها ودوافعها إلى اتخاذ الإجراءات الكفيلة بحماية الوطن ومقدراته، ثم ودعته.

التفت إليّ مصلح باسما، قابضا كفه ورافعا إبهامه بعلامة الإعجاب، وقال: تعجبني، مع أنك كويتب لا أحفل كثيرا بكتاباته، وما أزال أشعر بمرارة عنادك في سيارة (الكداد)، لكن مقولتك هذه جعلتني أراجع حساباتي تجاهك، فردّك على المتصل منطقي واع، مع أنه لا يعجب أولئك المتذاكين الذين يحسبون أنهم بصمتهم يحسنون صنعا، فلا تندم أبدا على مواقفك مدافعا عن وطنك، واعلم أن (الجبان) هو الذي يظن أنه سيخسر أحدا حين يدافع عن وطنه، لأن الوطن فوق كل حسابات الربح والخسارة.

يا صديقي القيادات السياسية والشعوب تدافع عن أوطانها حين تتعرض لمكروه أو تشعر أنها ستتعرض له، فتستنفر كل طاقاتها من أجل ذلك، وحين تنقشع الغيوم وتهدأ النفوس، ويأتي الصلح والسلام، تعود الأمور إلى مجراها وكأن شيئا لم يكن، حتى لو قامت الحرب وسقط قتلى وجرحى وأسرى، فما بال هؤلاء الحمقى الذين يشنعون على مواقف سياسية ومقالات وتقارير إعلامية! لا تشعر مطلقا بالندم ما دمت ملتزما بشرف الخصومة ولم تسف إسفاف السفهاء، ولك أن تتأمل تاريخ منطقتنا العربية مع فظائع الاستعمار، ثم تأمل العلاقات الحميمة بين الدول العربية ومستعمريها السابقين، ثم جمع عينينه حول أنفه وضحك: يبدو أني سأعجب بك!

ahmad_helali@