ياسر عمر سندي

بنوك 2021 عمليات الإيداع والسحب

الأربعاء - 06 يناير 2021

Wed - 06 Jan 2021

مبدأ الحياة «هات وخذ» هذا ما وجدنا عليه ثقافاتنا، وذلك ليس مقتصرا على التعاملات المالية والاقتصادية، بل حتى على مستوى العلاقات الزوجية والاجتماعية والسياسية أيضا، وكما هو معلوم أن عمليات المقايضة قديما والمصرفية حديثا تعتبر مادية بطبعها وأسلوبها، فالأساس هو تحقيق الكسب النفعي الذي يعكس في مغزاه النظرة الميكافيلية في غالبية التعاملات بين البشر، وأرى أن الصبغة المعنوية تكاد تتقزم أمام المنفعة الحالية للأسف، علما أن جلب المصلحة والاستفادة الشخصية لا يتعارضان مع وجود البصمة الإنسانية في الاحتياجات التبادلية.

الخير المقدم هو فلسفة عمق العمل الأصيل للنفس البشرية المجردة من النفعية الصرفة، ولا أقصد هنا أن لا ينظر الإنسان إلى حظه الفطري من الدنيا والذي أمرنا به المولى عز وجل في قوله «ولا تنس نصيبك من الدنيا» بسورة القصص الآية 77، بل يسعى سعيها بردع النفس الأمارة بالسوء بالنفس اللوامة لتحقيق التوازن النفسي والأخلاقي والبيئي، للوصول إلى رقي النفس المطمئنة أي بين الحاجات والاحتياجات والرغبات مع الآخرين الذين يعيشون بتفاعل في دوائرنا المجتمعية الخمس المتداخلة، وهي: دائرة الأسرة والعائلة والعمل والصداقات وأخيرا دائرة المجتمع العام مع أي شخص يحتاجنا أو نحتاجه لتحقيق التكامل بعيدا عن التفاضل.

في إحدى الأمسيات التدريبية القديرة التي أحرص بكل شغف على حضورها لزيادة رصيدي المعرفي وحسابي الثقافي، حيث جمعنا المستشار ومدرب التطوير الإداري السيد عصام قاري في مجلسه العامر كما هي عادته، أثابه الله، ليغدق علينا من خبراته الطويلة وتجاربه العميقة، سعيا منه لتحقيق المواءمة مع توجهات الدولة رعاها الله في تحسين جودة ونمط الحياة للوصول إلى رؤية 2030، بخطط تحسينية للأداء على المستوى الفردي والأسري والمجتمعي لعام 2021.

وتنويعا لمنهجية تغيير الفكر المستشرف أشار من خلال حديثه إلى نصيحة نورانية للحياة المستقبلية، التي ألهمنا بها كمبدأ عملي مغاير للثقافة الدارجة بأن «نعطي قبل أن نأخذ» لزيادة أرصدتنا لدى الغير بأسلوب منهجي، لنفيد ونستفيد ونعيش ونتعايش بآلية نحن وليس أنا، التي أجد أنها تليق بنا جميعا لتطبيق مبدأ النمذجة التربوية الحديثة لحياتنا وتعليم أبنائنا، التي يتطلب تغيير الصورة الذهنية القابعة في عقولنا أن الحياة «هات وخذ» إلى الصورة الجديدة بأن الحياة «إيداع ثم سحب» وكأنما نشير إلى سيناريو يحاكي عملية مالية بأن ندفع لكي نشتري.

تعاملنا بأسلوب الأرصدة الإنسانية مع بعضنا بتفعيل مبدأ «بنوك التأليف» الذي أحببت أن أطلقه على هذه العمليات الجديدة، يجعلنا نستشرف من خلالها قادمنا الإنساني الذي تغير بسبب كوفيد 19 الذي خلخل جانبنا النفسي والاجتماعي والاقتصادي وأصاب دوائرنا المجتمعية الخمس بتصدعات وشروخ معنوية، أجبرتنا على التباعد الفعلي والتفكير الانعزالي المتوحد، وهذا حتما عكس طموحاتنا الاستراتيجية.

فيروس كورونا فاجأنا برسائل عاجلة ربما لنعيد وندقق بحساباتنا الشخصية، كل فيما يخصه، بالرجوع إلى أرصدتنا، كم لنا وكم علينا، بتتبع آخر العمليات الإنسانية والأخلاقية التي تراقب الفرد على مدار اليوم والشهر والسنة، هل يقوم بواجباته بمؤشر قياس الأداء وهو «الإحسان»؟ وهي عبادة عظيمة تعكس مراعاة المخلوق الضعيف للخالق العظيم بطريقة غيبية مع أنفسنا والآخرين، وهذا المؤشر أجده مقياسا للعلاقات السامية التي تكشف قوائمنا البنكية من عمليات الإيداع، أي العطاء ثم السحب الذي يجعلنا أكثر توازنا واتساقا نفسيا واجتماعيا.

مفهوم عملية الإيداع أيضا يكمن في حجم الأرصدة التي تم التحويل عليها، في حساب بنك التأليف متنوع المصادر من «عبادات وهدايا وتغافل وتجاهل وجودة وحسن تعامل ولين جانب ومودة ورحمة وصدق ومحبة»، كل هذه الأرصدة تعتبر إيداعات مستدامة الدفع تعمل على زيادة الحساب بطريقة تلقائية ومستمرة قد لا نستشعر أثرها آنيا ولحظيا، ولكن نجدها حاضرة تدعمنا وقت الحاجة من الآخرين بمواقفهم الإنسانية تجاهنا وتخبرنا بأننا نمتلك أرصدة تمت تغذيتها أخلاقيا تسمح لنا بعمليات السحب لما قد أودعناه مسبقا.

Yos123Omar@