عبدالله الزرقي

عطية بتاع الشفافية!

الأربعاء - 06 يناير 2021

Wed - 06 Jan 2021

ضرب بيده بقوة على طاولته صارخا صرخة اهتزت لها أركان مكتبه وسمعها القاصي والداني: لا أقبل الفساد والمفسدين في شركتي وسأحاسب كل فاسد في شركتي حسابا عسيرا ينسيه حليب أمه الذي رضعه. هكذا كانت ردة المدير العام عطية على تقرير الفساد الذي قدمه موظفه أمين.

انتشى ذلك الموظف الأمين الذي نقل الصورة بحذافيرها إلى مديره العام، الذي رأى فيه خير مدير والأنزه على الكوكب. خرج مستبشرا فرحا بأنه وجد أذنا صاغية له، ومديرا منصفا يحق الحق ويزهق الباطل حتى لو كان لأقرب المقربين إليه.

عانق المدير العام عطية موظفه عناقا حارا، ووعده بترقيته ممازحا إياه: سأجلبك لدي هنا في الإدارة الرئيسية كي ننتفع من خبراتك وأمانتك، مادحا إياه بأنه «خير من استأجرت القوي الأمين»، فأنت قوي في إدارتك وعملك وخبراتك وأمين على المصلحة العامة، صفتان قرآنيتان اتصفت بهما وسأجازيك نظير أمانتك.

عاد الأمين كما لقبه مديره العام عطية إلى مكتبه متسلحا بكل أنواع الثقة والزهو بأن جهوده لم تذهب سدى، وأن مخاوفه التي كانت تدور برأسه من أن ما قام به قد يفسر على أنه وشاية بزملاء عمل، رغم أن ما قدمه فعلا كان يندرج ضمن حالات الفساد التي يعاقب عليها القانون، لا أساس لها من الصحة. عطية أراحه من كل تلك الأوهام التي دارت برأسه وعادت إلى نفسه الثقة بمجرد أن التقى مديره العام عطية.

كانت نهاية الأسبوع، استقل الموظف الأمين طائرته وعاد إلى زوجه وأبنائه وهو يحدثهم عن مروءة وعظمة عطية ونزاهته ونظافة يده. مع بداية أسبوع متفائل ذهب ذلك الموظف الأمين إلى مكتبه، فوجد أبوابه موصدة ومفاتيحه لا تفتح. سأل زملاءه: ماذا يحدث؟ فقالوا له: أوامر إدارية عليا بأن لا تدخل الشركة، وهذا خطاب إنهاء خدماتك من الشركة.

صدم الموظف الأمين وعاد إلى مديره عطية في اليوم نفسه كي يستفسر منه، لكن لم يُسمح له بالدخول على عطية، وبعد محاولات وجهد جهيد سمح له عطية بملاقاته.

سأله ما الذي جرى، وترجاه قائلا: قبلت قرار الفصل لكن أريد أن أعلم لماذا فصلتني؟

أجابه مديره العام عطية: هناك منطق يجب أن تتعلمه، وهو أن من وشيت بهم فضحتهم أمامي مع علمي بما يقومون به وهم من أكثر الناس عملا وإنتاجا، فمقابل الكم مليون التي سرقوها هم يجلبون عشرات الملايين التي لا أنت ولا غيرك تستطيع أن تجلبها من السوق. فهل استوعبت لماذا فصلتك؟

بعد لحظات من تلقي الحقيقة المرة وإعادة شريط ما قاله عطية، وتخيل كم أولئك الناس مجتهدون لجلب عشرات الملايين بكل الطرق حتى وإن كانت على حساب مصلحة البلد، استنهض أمين قواه ولملم جراحه وفي حلقه غصة بأنه دفع ثمن أمانته غاليا، شكر مديره العام قائلا له: سعادة المدير العام لقد علمتني درسا هو أن لا أخلاق في لغة الأعمال، وأنك يا عطية أستاذ في الشفافية.

unzorgi @