شاهر النهاري

الرؤية تُسمح الدروب

الاثنين - 04 يناير 2021

Mon - 04 Jan 2021

في بدايات نشأة الدولة السعودية كان المسافر يعاني من تباعد المسافات وندرة المركبات، والخوف من الخروج عن الدروب المعتادة، حتى لا يشح الماء، ويفقد المسار والدليل، ويفشل في قص الأثر، وتضعف خبرته في اتقاء الشموس وتتبع النجوم، فيصبح نسيا منسيا.

كان الذاهب إلى بيشة، يظن أنه لن يبلغ بعدها العيشة. وكان طريق «المهمل» زوابع مهلكة تكثر فيها الضواري والإشاعات. وكانت بعض الدروب المتعرجة تتعمق في الصحاري، وتعاند السراب، ولا يهنأ مسافرها بغفوة عين آمنة.

كان وادي الدواسر نقطة شتات تنتثر حولها المجاهل، ويتوق لنقطة عودة تزوغ. وطعوس الربع الخالي المهولة تكتب نهايات الباحثين عن وصال.

وكانت الاستدارة عن هضاب نجد لمعانقة صحاري الشمال الشاسعة جنونا وتهورا لا يقدم عليهما إلا من امتلك الخبرة، وتحزم بالعزيمة، وسير حوله عصبة رجال وقطيعا من الإبل. كانت الشواطئ الغربية أسرارا متدثرة بالخشونة، تخشى العبور إلى الجزر.

ولكن السعودية بمرور العقود بنت وشيدت، حتى تعانقت صحاريها بالمدن، وتكاملت فيها الدروب المستنيرة، وضم الأمن طعوسها وأوديتها وجبالها وشعابها وهضابها.

وحينما أتت الرؤية 2030، تفجرت الكثبان بطموح وجمال يشبه الخيال، فلا تصدقه مخيلات من رحلوا عنا قبل عدة سنوات.

سباق (باريس داكار) العالمي، وهو من أهم السباقات العالمية للتنافس على أشد الطرق وعورة في العالم، منطلقا من باريس عام 1979، وصولا إلى داكار عاصمة السنغال، والذي انتقل عام 2009، إلى أمريكا الجنوبية بين الأرجنتين وتشيلي حتى عام 2019، حضر إلى مملكتنا مؤخرا حيث استضافته السعودية 2020 على أرضها، في شراكة تمتد عشرة أعوام، حتى عام 2030م، بالمشاركة مع منظمة ASO الراعية للسباق.

وفي موسم هذا العام، ورغم جائحة العصر، تقرر أن تكون المرحلة الأولى جدّة- بيشة 622 كلم، والثانية: بيشة- وادي الدواسر 685 كلم، والثالثة: وادي الدواسر- الربع الخالي 630 كلم، والرابعة: وادي الدواسر- الرياض 813 كلم، والخامسة: الرياض- بريدة 625 كلم، والسادسة: بريدة- حائل 655 كلم، والسابعة: حائل- سكاكا 737 كلم، والثامنة: سكاكا- نيوم 709 كلم، وسيختبر رالي داكار في السعودية 2021 سبُلا جديدة لإنتاج الطاقة الشمسية في الإقامات المؤقتة بمدينة المستقبل نيوم.

أما المرحلة التاسعة: فستكون جولة في نيوم 579 كلم وعلى ضفاف البحر الأحمر، والعاشرة: نيوم- العلا 583 كلم، ثم الحادية عشرة: العلا- ينبع 557 كلم، والثانية عشرة: ينبع- جدّة 452 كلم، هي مرحلة صنع الفارق والحسم وتتويج الأبطال بالألقاب، والتتويج في جدة.

ونظرا لاتساع رقعة المملكة الجغرافية، واختلاف طبيعة وبيئة ووعورة أرضها، سيكون لـ 559 متسابقا فرص عالية للتنافس مع طبيعة متنوعة متناغمة مع متطلبات وصعوبات السباق، وعين أهدافه.

الرؤية صنعت بهذا السباق قوة سعودية ناعمة، تستحق أن نباهي بها بين دول العالم، وأن تشعشع أنوارها، بقدر تعدد وسائل النقل الإعلامي العالمي المباشر لكل القارات، وبما يجعل كل من لم يزر السعودية، يزورها افتراضيا، ويلامس تراثها وتاريخها وشعبها، وكل ما فيها، من تضاريس وجماليات وآثار ومدن وسواحل بكر تخلب الألباب.

نعم، لعشر سنوات قادمة، سنلهم العالم بما نملك من رؤيتنا، وقوة عزمنا، وطموح وجمال نوايانا، والقدرة على تحويل صور عسرنا الماضي إلى مهرجانات سحر وإبهار تمتد على مدى الأرض، وتناهز بنا وبرؤيتنا عنان السماء.

shaheralnahari@