عبدالحليم البراك

نحن اخترعنا الزمن!

الاثنين - 04 يناير 2021

Mon - 04 Jan 2021

الآن معظم معاملاتنا تتم بالتاريخ الميلادي، وقبل أعوام كانت مناصفة بين الميلادي والهجري، وقبل أعوام عديدة لم يكن أهلنا يعرفون من التاريخ الميلادي إلا اسمه، وكان التاريخ الهجري مهيمنا. قبل أيام احتفل العالم بدخول العام الميلادي الجديد 2021م، وودع الناس 2020م، وكانت الدعوات تلهج بأن تكون السنة هذه خيرا من التي قبلها، مذكرين بما حدث في السنة الماضية من أحداث.

وهنا أحب أن أشير إلى أنه لو كنا – كأجدادنا - لا نعرف إلا التاريخ الهجري، هل سنفتقد الخط الزمني والخط الفاصل بينهما كما خلقه الناس؟ هل مصاعب 2020م وحلول 2021م ستكون في سنة واحدة، ولن يلمس الناس الفرق بينهما؟

وهنا تظهر قدرة الإنسان على إبداع الزمن، فالإنسان ينشأ الزمن ويبني عليه، ومثاله أيضا عندما يكون صاحبنا في مبنى عال للغاية، ويرى رجلا يمشي في خط مستقيم، فإن الفعل الزمني الذي يستخدمه هو (الفعل المضارع يمشي)، ولو استمر بالمشي ساعة كاملة ما دام يمشي أمام ناظريه فلن يتغير الفعل المستخدم، أما بالنسبة لصاحب المحل القابع في متجره، ومر من أمامه الرجل الماشي مرورا عابرا، فإنه سوف يستخدم معه ثلاثة أفعال زمنية (سيأتي، فعل مستقبلي) ثم إذا مر صار (يمشي، فعل مضارع) وبعد أن يتجاوزه صار (فعلا ماضيا، مشى وانتهى)، بينما لا يزال الزمن في نظر صاحبنا الذي يطل من مبنى عال للغاية واحدا وهو المضارع، فالرجل لا يزال يمشي.

أحب أن أشير إلى صناعة الزمن بيد الإنسان، فهنا يفقد الزمن قيمته الذاتية، وتصبح قيمته مضافة من الإنسان، والزمن هو من صنعه، وبهذا يبعد الإنسان عن الزمن صفة التشاؤم أو صفة التفاؤل، فالزمن مختلف من تاريخ إلى آخر، ومن فعل مستقبلي إلى فعل مضارع وفعل ماض، ولهذا قد يكون من المناسب التحرر من صفات التشاؤم، والتعلق بصفة العمل المنتج غير المرتبط بزمن، فلا سب ولا شتيمة للزمن لأنه متغير بالشكل والمدة والصفة.

بل إن الزمن الذي ينقسم إلى وحدات متساوية بالرياضيات، يختلف تماما عن الزمن الشعوري، فالزمن الذي يقضيه السجين في سجنه أول أيامه لا يمضي سريعا، بينما يمضي على أولئك الذين يعيشون في لهو وفرح لا ينقطع وكأنهم يقولون إن الدقائق مرت سريعة، رغم أنها هي نفسها لم تتغير، رغم أنهم يتحدثون عن الزمن نفسه لكن الشعور نحوه مختلف تماما!

الطائرة التي تتجه من الشرق للغرب تكسب ساعات من اليوم، والتي تتجه من الغرب للشرق تخسر ساعات، على الرغم من أنك عشت الساعات بنفسك كلها ولم يختف منها شيء، فكيف عبث بنا الزم؟ن أم إن صناعتنا له لم تكن متقنة؟!

ومع هذا كله، أدعو الله لي ولكم بأن يكون هذا العام عام خير وانفتاح ورزق على الجميع!

Halemalbaarrak@