علي المطوع

عام المرض واللقاح والتطبيع

الاحد - 03 يناير 2021

Sun - 03 Jan 2021

2020 كان عاما استثنائيا على البشرية جمعاء، لأنه وحدهم خوفا أمام خطر فيروسي قاتل، كانوا قبله يتحدثون عن عوالم مختلفة، عالم أول فيه كل مقومات الحضارة والتمكن والتمكين، وعالم وسط يراوح بين العالمين، وقاع بشري متخلف ومختلف عن الحضارة الأولى، يطلقون عليه لطفا وتلطفا العالم الثالث.

انتاب الهلع العالم الأول وسقطت أسطورته الصحية والمدنية ومعاييره الانضباطية، فغدت مجتمعاته مسرحا لهذا الفيروس اللعين، الذي مضى يسجل أرقاما قياسية في الإصابات والوفيات، كل ذلك والعالم الأول يتلقى الضربات المفجعة والموجعة وساسته يبشرون مجتمعاتهم بالأسوأ وأن الفيروس في أوله والقادم يحمل كثيرا من الأرقام المفزعة والآلام المنتظرة.

العالم الثالث يتعاطى مع الفيروس على أنه عدالة ربانية قد تعيد العالم الأول إلى صوابه، وربما مع استمرار تكاثر هذا الفيروس وارتفاع أعداد ضحاياه يتنفس العالم الأضعف الصعداء، ويرى أن النكبات قد نالت من ذاك العالم المتمدن النقي من الأمراض والكوارث الطبيعية.

في إيطاليا في بداية انتشار الفيروس كانت أرقام الوفيات تشي بكوارث إنسانية رهيبة ليس للقارة العجوز عهد بها إلا في زمن النكبات الأولى، وآخرها الإنفلونزا الإسبانية التي ضربت العالم عام 1918.

أجهزة التنفس الصناعي في العالم الحر غدت غالية الثمن ونادرة، لأن الهواء هو أكثر الأشياء التي يحتاجها مريض كورونا، بعد أن يقضي الفيروس على رئتيه، وكبار السن غدوا في العرف الطبي الصارم قرابين يمكن تقديمها للفيروس على عجل لأنهم على أبواب الوداع أصلا من هذه الحياة، هذا يعكس بعدا ماديا مشينا للحضارة الغربية التي تنازلت عن إنسانيتها تحت غطاء مادي ومبرر نفعي يرسخ فكرة الرأسمالية البغيضة في أسوأ صورها وأحوالها.

عام 2020 على المستوى السياسي كان عام ترمب، فيه نازل إيران في العراق، وشدد العقوبات عليها، ونازل الديموقراطيين ووراءهم إعلامهم العريق الذي تعمد تشويه صورته في الانتخابات الأمريكية الأخيرة وكان له ما أراد.

على المستوى العربي، نالت أحداث التطبيع قسطا لا بأس به من الاهتمام وترنحت السلطة الفلسطينية وتناقضت من خلال ردود أفعالها الشاجبة للتطبيع الإماراتي والبحريني في البداية، ولزومها الصمت للحالة المغربية التي جاءت في توقيت محرج للفصائل الفلسطينية، فكانت ردود أفعالها في المجمل تراوح بين القرار والجواب، وإن كان التطبيع المغربي هو التطبيع الوحيد الذي مر بسلام، ولم يصدر من السلطة أو الفصائل الأخرى شيء يذكر سوى السكوت الذي كان يعكس الرضا وحمرة الخجل.

العرب كعادتهم سامدون مسالمون، الآخر يراهم نهاية التاريخ والإنسان الأخير، وهم يرون الآخر بداية التاريخ والإنسان الجدير، عقدة الآخر تتأصل في العربي، وعقده يحيلها إلى حلول تفضي إلى عقد جديدة لتنشأ أجيال عربية معقدة تعيش العقدة تلو العقدة.

الخليجيون يعيشون في نهاية عام 2020 أجواء تفاؤلية لأنهم على أبواب مصالحة جديدة، والعلا بتاريخها وحضارتها ستعلو بالحدث وستكون المكان الأكثر ملاءمة لتطبيب العلاقات وجبر الخواطر، والسعودية بثقلها السياسي والوجودي قادرة على تهيئة ظروف هذه الاتفاق وفتح صفحات جديدة من التوافق في البر والأجواء.

بقي نتنياهو الذي كان النجم الأول لهذا العام بلا منازع، خاصة في تلك اللفتة الإنسانية الرحيمة وهو يوثق مشهد تلقيه لقاح كورونا كرجل سلام، يأكل الطعام ويمشي في الأسواق! الشعوب في المنطقة تساءلت بعد هذا الحدث، ترى من أخذ اللقاح ومن كان المرض، من كسب الحصانة، فخامة الرئيس أم كوفيد التاسع عشر؟