خالد عبدالرحيم المعينا

الحياة من الميلاد إلى الوفاة

الجمعة - 15 يوليو 2016

Fri - 15 Jul 2016

في أواخر شهر رمضان المبارك، جاءتني رسالة على الواتس اب تفيد بمقتل شقيق أحد زملائي القدامى في حادث حركة مروع في المنطقة الشرقية قبل ساعات قليلة.

وبينما كنت في طريقي من البيت إلى المسجد لأداء صلاة التهجد، جاءتني مكالمة هاتفية من أحد الأصدقاء أعلمني فيها بوفاة والد زوجته في حادث سير في وادي الدواسر بينما كان في طريقه إلى المسجد لأداء صلاة القيام.

وفي واقع الحياة فإن الموت يطرق أي باب ويضرب أي عائلة بدون سابق إنذار وهو كأس دائر نتجرعه جميعا وعلينا جميعا الاعتبار والتفكر مليا في حياتنا الحالية والقادمة استعدادا للقاء الله سبحانه وتعالى في يوم لا ظلم فيه مقداره خمسون ألف سنة مما نعد.

والموت تذكار لنا جميعا، وإن كان قاسيا ومؤلما، لتحسين الأعمال للحياة الأخرى التي ليس فيها موت أو فناء بل هي حياة سرمدية لمن كتب الله له دخول جنته.

والخبران اللذان تلقيتهما على التتابع وفي وقت وجيز من أحدهما الآخر، هزا كياني وغمراني في غلالة من الحزن والأسى، فهاتان حياتان ضاعتا في غمضة عين ولأسباب ليست منطقية فلم يكن أي منهما مريضا أو في النزع الأخير.

نعم إن الموت علينا حق وهو آت لا محالة وإن طالت الحياة لكنه مؤلم ومحزن مهما كانت أسبابه ومهما كان الإنسان مهيأ لاستقباله.

إننا مؤمنون موحدون لكن هذا لا يمنع من الحيطة والحذر لتقليل الموت لأسباب غير ضرورية ولا منطقية مثل حوادث الحركة وغيرها من فجائيات.

وبعد أن هدأت نفسي قليلا إثر تلقي الخبرين المحزنين، بدأت التفكير في حياتي الخاصة وفي حياة الآخرين من حولي، فالحياة عبارة عن رحلة روحية تطول أو تقصر لكنها ليست عبثية ولا هي أمر يحدث بدون داع أو ضرورية، فهي رحلة عمر مرسومة بدقة وبمقاييس محددة.

واستغفرت الله على تساؤلي ما الفائدة من وجودنا إذا كانت نهايتنا المحتومة هي الموت والذهاب بلا عودة، وفكرت مليا في مسارنا بين الأمدين وهما الميلاد والموت، فهل نحن خلقنا فقط لنأكل ونشرب ونعيش إلى أن تنتهي أيامنا المعدودة في هذه الدنيا وفي غضون ذلك لا نأبه بالآخرين ولا بالبيئة المحيطة حولنا؟

هل نقنع بما نحن فيه ولا نحاول تغيير واقعنا ونصبح شهداء لقضايا لا نعرفها؟ هل نكتفي بالسعي وراء السعادة التي لا نعرف على وجه التحديد كنهها الحقيقي بدون أي اعتبار للمحيطين بنا؟ هل نستمر في الحياة بدون أي اهتمام بالتعساء والمرضى والمقهورين في العالم؟ هل ننغلق على أنفسنا فقط لكي نشعر بأننا أحياء؟

لقد خلقنا الله سبحانه وتعالى لعبادته وتوحيده وعمارة أرضه وهذه مقاصد نبيلة سيشعر الإنسان إن فعلها بأن حياته لها معنى وهي تستحق أن تعاش.

وعلى الإنسان طالما كان يتنفس أن يسعى لتحسين حياته وحياة الآخرين، فنحن جزء من الكيان البشري ولا يجب أن نغادر هذه الدنيا إلاّ بعد أن نجعلها مكانا أفضل ينتشر فيها السلام ويعم فيها الحب، لكن لا يمكن عمل هذا بالكلام فقط، فلا بد من العمل الدؤوب المتواصل وبذل الجهود المضنية لتعزيز الانسجام والتناغم بين البشر ونشر ثقافة التسامح وقبول الآخر فكلنا لآدم وآدم من تراب.

إن الفلسفة التي ينبغي أن نعيش بها يجب أن تكون هي احترام الآخر والتمسك بمبدأ التسامح وتطوير ثقافة الاختلاف والاقتناع بأننا كلنا سواسية لا فرق بين أحد وآخر رغم اختلاف الألوان، والسحنات والألسنة والمعتقدات.

وإذا كنا مواطنين عاديين أو أصحاب مراكز عليا وجاه وسلطان فيجب أن يكون هدفنا واحدا، وهو الحياة نعمة من الله يجب أن نصونها ونعيشها كما أراد الله لنا بدون استعلاء أو تكبر أو قهر للآخرين وبدون أن تكون المكتسبات المادية هي الهدف الذي نعيش من أجله، وهناك بعد آخر للحياة وهو الاستمرار في الاكتشاف لتحسين أرواحنا وبث الطمأنينة فيها وحمايتها من التمزق والقلق.

ولنتوقف جميعا بين الفينة والأخرى لنتذكر الذين سبقونا في رحلة الموت وذهبوا قبلنا للدار الآخرة فنترحم عليهم ونذكرهم دائما بالخير والحسنى كما أوصانا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم.

ونحن إذ نفعل ذلك يجب أن نضع في اعتبارنا أن اليوم سيأتي حين يتذكرنا الآخرون ويترحمون علينا، فالموت أمر حتمي مكتوب على كل إنسان، لكن لا يجب أن تقعدنا هذه الحقيقة عن السعي لتحسين حياتنا وحياة الآخرين من حولنا.



[email protected]