عبدالله العولقي

الفضاء السيبراني وحروب المستقبل

الاحد - 27 ديسمبر 2020

Sun - 27 Dec 2020

الفضاء السيبراني هو الوسط التقني الذي تعمل فيه شبكات هائلة من المعدات الالكترونية بمكوناتها المختلفة، كأجهزة الكومبيوتر وأنظمة الشبكات والبرمجيات وحوسبة المعلومات ونقلها وتخزينها، فهو المجال الرقمي الممتد دوليا عبر خطوط الاتصالات الضوئية والمعدنية والألياف البصرية وموجات الأقمار الصناعية وقنواتها المتعددة في بث خدمة الإنترنت، وتأتي أهمية الخروقات السيبرانية لأن لديها القدرة الفائقة على التدخل في نظم الانتخابات السياسية وتوجيه الرأي العام الشعبي، وقد تتمكن أحيانا من الاختراق المباشر لأمن المعلومات من أجل الحصول على البيانات الحيوية المهمة.

قبل أيام، ضجت منصات الأخبار الدولية بقضية التراشق الإعلامي العنيف بين موسكو وواشنطن بشأن القصف السيبراني الأخير الذي تعرضت له وزارات مهمة وقطاعات حيوية في الولايات المتحدة، التي وصفها بعض الإعلاميين الأمريكيين بالانفجار الشمسي، لأنها الأضخم في تاريخ عمليات الخروقات السيبرانية، وقد وجهت واشنطن أصابع الاتهام مباشرة إلى موسكو، لأنها في صراع سيبراني متفاقم معها في السنوات العشر الأخيرة، ففي عام 2016 حدث اختراق روسي شهير لمنصات وحواسيب الحزب الديمقراطي الأمريكي، تم خلاله الحصول على ملايين الإيميلات وتسريبها، تبعه إعلان روسي عن تعرض منظومته التقنية لقصف سيبراني أمريكي عنيف، وبعدها دخلت العلاقة الروسية الأمريكية في دوامة التراشق الإعلامي والاتهامات المتبادلة حتى وصلت إلى مرحلة إغلاق القنصليات الدبلوماسية وسياسة التضئيل في درجة التمثيل الدبلوماسي بين البلدين.

العالم اليوم يعيش سباق تسلح سيبراني غير مسبوق، وجميع الدول والحكومات أصبحت مهددة بالتعرض للقصف والهجوم السيبراني، خاصة مع تعاظم التقنية وانتشار أجهزة إنترنت الأشياء وشبكات الجيل الخامس المتطورة، التي تسمح بمرور كميات ضخمة من البيانات، كما يتوقع الخبراء أيضا زيادة حالات الخروقات السيبرانية في منطقة الشرق الأوسط بسبب استمرار تشنج الأوضاع السياسية وتزايد أعداد مجموعات وعصابات الهاكر وتعاظم قدراتهم في الفضاء السيبراني.

لقد أصبحت مقومات الدول والحكومات لا تقاس بقدراتها العسكرية والاقتصادية فحسب، وإنما تقاس أيضا بقوة ومناعة منظومتها السيبرانية، ولهذا هدفت الهجمات الالكترونية الأخيرة في المقام الأول إلى زعزعة ثقة المواطن الأمريكي في منظومة بلاده التقنية، التي تصنف الأولى عالميا، ولهذا حرصت وسائل الإعلام الأمريكية في برامجها الإخبارية على تبيان وتفاصيل عمليات الخروقات السيبرانية، ووصفتها بأنها عمليات يسيرة لا تحتاج سوى مجموعة خبراء في المجال التقني، فهي مجرد خطوات الكترونية لا تحتاج إلى معدات ضخمة وموارد مالية وبشرية كبيرة، بل إنها تتسم بقلة التكلفة وسرعة الأداء وقوة التأثير، وصعوبة معرفة هوية الفاعل!

أخيرا، هناك حديث إعلامي دولي واسع تجاه هيئة الأمم المتحدة لأنها باتت متأخرة عن اللحاق بركب التسارع التقني العالمي، وعاجزة عن ضبط الخلافات الدولية حول الفضاء السيبراني، فقد أصبح من الضرورة إيجاد اتفاقيات سلام تقنية دولية، فالقانون الدولي كما يقول الدكتور أحمد سيد أحمد يعاني فراغا كبيرا في مجال الاتفاقات الدولية السيبرانية، ولهذا تتعالى الأصوات الإعلامية حول العالم بشأن أهمية ضبط الأمن السيبراني الدولي، وإلا ستتحول الصراعات التقنية الحالية إلى حرب عالمية ثالثة، لكن بنمطية سيبرانية.