منى عبدالفتاح

مسابقات جمال البقر

الأربعاء - 13 يوليو 2016

Wed - 13 Jul 2016

أعادتني المسابقة التي تم تنظيمها في مدينة روتهاك الهندية شهر مايو من هذا العام 2016 لاختيار أجمل البقر والثيران الموجودة في المنطقة، إلى مسابقة مشابهة تم تنظيمها في السودان قبل حوالي خمسة أعوام وتحديدا في عام 2012، ربما هي الوحيدة في تاريخ هذا البلد الذاخر بثروته الحيوانية.

حينها قامت الصحف المحلية بتغطية الحدث بشكل فاق في كثافته التغطية لأحداث جنوب السودان المنفصل حديثا، وأحداث اتفاقات السلام لإيقاف نزيف الحرب في إقليم دارفور منذ 2003.

تلك التغطية الإعلامية كانت خاصة بتتويج ثلاث بقرات جميلات في مسابقة لملكة جمال البقر، حيث فازت باللقب بقرة تدعى «الفلوجة»، بينما تم توشيح اثنتين بلقب الوصيفتين. والخبر ذو العلاقة بشركات الإنتاج الزراعي لم ينس دعم وزارة الثروة الحيوانية وبعض الشركات التي توجت الثور السوداني (عابر القارات) بوصفه الأكثر قدرة على الإخصاب والمساهم الأول في عملية الإدرار التي اصطفت لها وسائل الإعلام تنقل وتتأمل، كيف لا وبطريركية العقول تطغى في عالم الإنسان والحيوان معا.

من ناحية نجد أنه جميل هذا التنافس بين الشركات الزراعية من أجل زيادة الإنتاج والعمل على ترقية وتجويد نوعيته، والذي جاء شعاره الهندي كما السوداني، من أجل تعزيز سلالات الأبقار المحلية ورفع مستوى الوعي بحقوق الحيوانات لدى المزارعين، ولكن الصخب الذي لازم مثل هذه المهرجانات تجاوز حدود المعقول. فما معنى التغني بجمال بقرة والذهاب بعيدا في وصف حركاتها وسكناتها ومشيتها. فلو اقتصر الوصف على كمية الحليب المنتج لكان معقولا جدا لأن هذا ما يهم المستهلك، ولو تم تضمين بعض المعلومات المهمة والخاصة بنوعية السلالات لقلنا إن هذا عرض تثقيفي مقبول، أما حكاية لونها وتقاطع خطوطه البيضاء مع السوداء فالمستفيد الوحيد هم سماسرة الجلود.

استعارت إحدى الصحف وصف الأعشى الشهير لامرأة، لتنزله على البقرة الفلوجة: «غراء فرعاء مصقول عوارضها.. تمشي الهوينا كما يمشي الوجى الوحل»، فأوغلت الصحيفة إيغالا وبالغت مبالغة صريع الغواني الذي قال: «إذا ما علت منا ذؤابة شارب... تمشت به مشي المقيد في الوحل»، فما كان من معلق عند سماعه بيت صريع الغواني هذا إلا أن قال: «قاتله الله، ما كفاه أن جعله مقيدا حتى جعله في وحل». وأنا أقول قاتل الله هذا التوصيف، أما كفاهم تشبيه البقر بالنساء حتى سموا أحد الثيران باسم البطل في المسلسل التركي الشهير «مهند» وتعمدوا إبعاده عن أنظار البقرات حتى لا يفتن به، فهل من إيغال أكبر من هذا.

لا ننسى أن الدول العربية تنشغل من وقت لآخر بهذا النوع من مسابقات الجمال لحيوانات مختلفة، مثل مسابقة جمال الحمير في المغرب ومسابقة جمال الحيوانات الأليفة في الكويت، ومزاين الإبل في الخليج.

يتفنن أهل الخليج في مهرجانات الهجن العربية الأصيلة، أو إقامة مزاين الإبل ومسابقات الماعز وغيرها. والهدف الرئيس من هذه المسابقات هو عرض هذه الأنعام المختلفة للبيع للجمهور ويكون التنافس على شرائها من خلال عرض مزاياها التي أهلتها للفوز في المسابقات. أو تقام مثل هذه المسابقات من أجل الترفيه فقط، حيث يعلن عن الاحتفال فتجمع كل قبيلة قطيعها وفي مقدمتها أحسنها وأزينها. تقام الاحتفالات ويتخللها الشعر الشعبي والإنشاد ثم الشراء.

أما لماذا هذه المزاين مستحسنة في الخليج ومستهجنة في حالة مثالي السودان والهند، فذلك لأنها بالنسبة لهذه الشعوب الفقيرة التي لا تجد ما يسد جوعها، يتطلب الأمر وصول من يقيمونها إلى مرحلة الرفاه أولا. فغريب ومستفز أيضا أن تتمنع هذه الأبقار عن فقراء البلدين بلحومها وشحومها وتعرض عنهم وعن وظائفها الأساسية، ثم تتم دعوتهم للنظر إلى جمالها.

[email protected]