مطير الزهراني

مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية..الذات والوجود

الاثنين - 21 ديسمبر 2020

Mon - 21 Dec 2020

يقول خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان في معرض كلمته عن العربية «لغتنا العربية لغة حضارة وثقافة، وقبل ذلك لغة الدين القويم، ومن هنا فإنها لغة عالمية كبرى، شملت المعتقدات، والثقافات والحضارات، ودخلت في مختلف المجتمعات العالمية».

ويظهر جليا من القول السابق أن اعتزاز خادم الحرمين الشريفين باللغة لم يقف عند القول، بل امتد ذلك إلى ممارسات وتطبيقات عملية، نتج عنها صدور الأمر الكريم بإنشاء مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية،الذي يضطلع بأدوار لعل من أهمها نشر العربية وحمايتها وتعزيز مكانتها بين لغات العالم، وقد شمل تنظيم المجمع العديد من المهام والاختصاصات التي توسع من رقعته ومكانته التي تنطلق من مكانة العربية ذاتها.

ولعل من أبرز المهام التي أود أن أقف عليها مهمتان، الأولى: توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في خدمة العربية، والأخرى : تأسيس مراكز لتعليم العربية داخل وخارج المملكة.

إن توظيف أحدث التقنيات لخدمة العربية لهو بُعد راق يسعى إلى فهم اللغة بالدرجة الأولى، ثم يخلق بيئة داعمة للإبداع والابتكار، والهدف وراء ذلك لتتمكن من مجاراة غيرها من اللغات التي حازت مكانة في عالم الذكاءات، وهذا البعد يصنع علاقة قوية مستمرة بين اللغة ومستخدميها، ويفتح مساحات واسعة من الثقة والحب والتباهي والاعتزاز من خلال التوأمة بين التقنية واللغة.

إن التقارير الصادرة في هذا السياق تؤكد أن عوائد الذكاء الاصطناعي ستصل بحلول 2030 إلى أكثر من 13 تريليون دولار أمريكي، وتأتي أكثرها في قطاعات غير التقنية كالزراعة والصحة والطاقة والتعليم، حتى وإن كان هناك كثير من التحديات والصعوبات في المنظومة المعرفية والتقنية، إلا أن علينا أن نعقد العزم ونعلن الانطلاقة التي قد تغير من معالم خارطة الصناعة والاقتصاد العالميين، وأصبح لزاما علينا أن نشجع الدراسات التي تبحث في إمكانية تطبيق مثل هذه التقنيات في اللغة العربية، وليعلم المهتمون بأن المواءمة بين المتخصصين في اللغة وبين التقنيين لهو أمر مُلح للوصول إلى الغاية التي تحتل معها العربية الصدارة.

أما ما يخص تأسيس المراكز التعليمية، فقد اتخذت الدولة على عاتقها منذ تأسيسها تعليم العربية للطلاب الناطقين بغيرها، ولم يقف الأمر عند ذلك، بل وانطلاقا من مكانتها الإسلامية والعربية تكفلت باستضافة أفواج من الطلاب من دول عدة في جامعاتها وتعليمهم اللغة وعلوم أخرى، ليعودوا بعد ذلك سفراء لهذه اللغة وهذا الدين، وتتحقق مع ذلك الأهداف عبر مساحات زمنية ومكانية كبيرة.

ومع ذلك التوسع الكبير، يأتي دور مجمع الملك سلمان العالمي ليتسنم الدور القيادي لهذا الأمر عبر طريقين: أولهما: إكمال ما اختطته الدولة من إنشاء المعاهد لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين في جامعاتها، بل والتوسع في ذلك ليشمل كل الجامعات الحكومية والخاصة، وليكن لكل جامعة داخلية إسهام في هذا الأمر لتحقيق مستهدفات الرؤية، والطريق الثاني: يكون عبر المضي في الاتجاه التعليمي إلى شوط أبعد، ويتمثل ذلك في إنشاء المراكز لتعليم العربية في أرجاء العالم، خاصة دول الشرق آسيوية، التي انفتحت عليها رؤية المملكة الطموحة، ومن تلك البلاد الصين وبلاد الهند والسند وغيرها، ولا سيما مع الأعداد السكانية المهولة في تلك البلاد.

ومن وجهة نظري، فإن هذا الأمر لن يتحقق ما لم تتعاون القطاعات الثلاثة الحكومي والخاص والخيري مع مجمع الملك سلمان العالمي لتحقيقه، منطلقين من مسؤولياتهم الدينية والوطنية واللغوية، واضعين نصب أعينهم جميعا الغاية الأسمى، وهي نشر ورقي لغتهم التي بالتأكيد ستعكس هويتهم الحضارية، وتنشر ثقافتهم ومعتقداتهم.

أخيرا، اللغة العربية وعاء ثقافتنا، وعنوان هويتنا، والمحافظة عليها تعد محافظة على الذات والوجود.

Drmutir@