حكايا «السعالا والوعالا»
الاثنين - 21 ديسمبر 2020
Mon - 21 Dec 2020
حكيم معلوم مجهول، عاش في دهر الاندثار البشري، يومه مثل أمسه البعيد، في عزلة يصعب توصيفها، بجهل الجغرافيا، وتناقض التاريخ، وخلط أعين بومة «أم قويق» بنجم القطب، في مستقبل عاثر، يراوح في الخيال.
هذا الحكيم، قرر يوما أن ينسى كل خصوماته، وأن يتصالح مع المجتمع القروي، فهمس بذلك لصاحب اللسان اللولبي أثناء مروره بحماره على مدق متعرج بين منازل يصعب الفصل بين جدرانها بمنقاش الأشواك.
صاحب الحمار ظل يسلي نفسه بصوت جهوري، فأشعل قناديل لقافة أهل القرية، وهم يتزاحمون في النوافذ بتشويق للتغريدات الجديدة، مهما كانت بليدة.
كل من جافا الحكيم، وكل من جرحه يوما بكلمة، أو خالف وجهة نظره، أو قطع حبل مودته السري بشفرة ثلمة، سمعوا نهيق الحمار عزفا منفردا، ليدركوا أن الحكيم قد عفا عنهم في كل ما قالوا وصنعوا ضده في الزمن الحائر بين الماضي والمستقبل.
حكمة ترتجى، فكأنما دكت تطلعات الحكيم حمم ما كان بينه وبينهم، فطفقوا يتزاحمون بعقر داره، يحتضنونه، يسامرونه ويتسابقون على لقمته ويمدون سيقانهم متعاكسة في عين جلسته.
لقد نسي الجميع أن الحكيم كان يستخدم عقله حينما كان يتعامل معهم في السابق، ولكنه قد تغافل وأطاح بالميانة، ما سمح لهم بالعودة لنفس طباعهم الفطرية وأخطائهم المملة، وقصف جبهته، متأكدين أنه لن ينتقدهم!
ظن لم يتحقق إلا عدة أيام يتيمة، ثم عاد الحكيم لاستخدام عقله، مع شدة ابتعادهم عن الوعي، بهبة السماح، وكبت غريزة الحذر، وإطلاق قيد شهوة الانتقاد.
وظل الحكيم يعاني من تكرار الإساءات، وصفعات التجريح، وهو ممسك بأطراف أعصابه يعزف عليها لحن خطأ.. خطأ.
ما فائدة العفو عند المقدرة، إن لم يكن مردوده سموا ورقي تقدير وتحسنا في المعاملة، وعدم تكرار نكء الجروح القديمة؟
النسيان يحتاج لأجواء نقاء ومحبة وسلام، والغضب يحرق كل الأوراق البيضاء، ويطمس الكالحة، ويحكها ويلحسها بلعابه، لينقش على زيفها الجديد من زور التمني، والملل، والغضب.
حقيقة، لم يعد هنالك فارق يذكر بين الحكيم كاتم النية، وبين أبعد الناس عن مواطن الحكمة، فساءت المخطوطات بجهل من يقرؤونها، وتداخلت الشروخ بزوال نقاط وتشكيل الحروف المداهنة.
العفو عن كل الناس يحيل الحياة إلى فوضى، ولا بد للحكيم من ميزان ذهبي يقارن به حقوق البشر، واختلاف عقولهم، ومنطقهم وعزمهم وأحقادهم وتطلعاتهم، وهو بمفرده لن يستطيع أن يخلق مجتمع قرية فاضلة.
حيرة عاشها الحكيم يعد شعرات شيبه، فإما سماح يعم القرود، وإما حساب دقيق الحدود بين المشاعر والأجسام والأنفاس يكتب التنافر ملايين الفراسخ بين مخاوف وأحلام القطيع.
والحكيم، الذي قد لا يكون كذلك، يعتقد أن جل الخلل يأتي من خارج ذاته، وأنه لا يحتاج وقفة حق مع نفسه، كونه العارف، الألمعي الكامل، المضاد لجاثوم الخوف.
ترى، لماذا عادت لقرية «السعالا والوعالا» اختلافات الوعي وتناقض التقدير والفهم؟ وماذا لو أصبح الكل سواسية؟ سينعدم الخلل، والغلط، ولا يصبح الحكيم عقدة تماس، ولا
المتخلفون مطاطية بلادة كلمات وخطوات؟
إنها فرصة وعي لكل من يشعر بأنه يحيا معهم في قريتهم المغمى عليها، ليعيد النظر، في هراوة التخدير، وقطع اللسان، وتوقي شرر الغضب، أو قرب الغرق بعمق فيضان نفاق يطغى!
shaheralnahari@
هذا الحكيم، قرر يوما أن ينسى كل خصوماته، وأن يتصالح مع المجتمع القروي، فهمس بذلك لصاحب اللسان اللولبي أثناء مروره بحماره على مدق متعرج بين منازل يصعب الفصل بين جدرانها بمنقاش الأشواك.
صاحب الحمار ظل يسلي نفسه بصوت جهوري، فأشعل قناديل لقافة أهل القرية، وهم يتزاحمون في النوافذ بتشويق للتغريدات الجديدة، مهما كانت بليدة.
كل من جافا الحكيم، وكل من جرحه يوما بكلمة، أو خالف وجهة نظره، أو قطع حبل مودته السري بشفرة ثلمة، سمعوا نهيق الحمار عزفا منفردا، ليدركوا أن الحكيم قد عفا عنهم في كل ما قالوا وصنعوا ضده في الزمن الحائر بين الماضي والمستقبل.
حكمة ترتجى، فكأنما دكت تطلعات الحكيم حمم ما كان بينه وبينهم، فطفقوا يتزاحمون بعقر داره، يحتضنونه، يسامرونه ويتسابقون على لقمته ويمدون سيقانهم متعاكسة في عين جلسته.
لقد نسي الجميع أن الحكيم كان يستخدم عقله حينما كان يتعامل معهم في السابق، ولكنه قد تغافل وأطاح بالميانة، ما سمح لهم بالعودة لنفس طباعهم الفطرية وأخطائهم المملة، وقصف جبهته، متأكدين أنه لن ينتقدهم!
ظن لم يتحقق إلا عدة أيام يتيمة، ثم عاد الحكيم لاستخدام عقله، مع شدة ابتعادهم عن الوعي، بهبة السماح، وكبت غريزة الحذر، وإطلاق قيد شهوة الانتقاد.
وظل الحكيم يعاني من تكرار الإساءات، وصفعات التجريح، وهو ممسك بأطراف أعصابه يعزف عليها لحن خطأ.. خطأ.
ما فائدة العفو عند المقدرة، إن لم يكن مردوده سموا ورقي تقدير وتحسنا في المعاملة، وعدم تكرار نكء الجروح القديمة؟
النسيان يحتاج لأجواء نقاء ومحبة وسلام، والغضب يحرق كل الأوراق البيضاء، ويطمس الكالحة، ويحكها ويلحسها بلعابه، لينقش على زيفها الجديد من زور التمني، والملل، والغضب.
حقيقة، لم يعد هنالك فارق يذكر بين الحكيم كاتم النية، وبين أبعد الناس عن مواطن الحكمة، فساءت المخطوطات بجهل من يقرؤونها، وتداخلت الشروخ بزوال نقاط وتشكيل الحروف المداهنة.
العفو عن كل الناس يحيل الحياة إلى فوضى، ولا بد للحكيم من ميزان ذهبي يقارن به حقوق البشر، واختلاف عقولهم، ومنطقهم وعزمهم وأحقادهم وتطلعاتهم، وهو بمفرده لن يستطيع أن يخلق مجتمع قرية فاضلة.
حيرة عاشها الحكيم يعد شعرات شيبه، فإما سماح يعم القرود، وإما حساب دقيق الحدود بين المشاعر والأجسام والأنفاس يكتب التنافر ملايين الفراسخ بين مخاوف وأحلام القطيع.
والحكيم، الذي قد لا يكون كذلك، يعتقد أن جل الخلل يأتي من خارج ذاته، وأنه لا يحتاج وقفة حق مع نفسه، كونه العارف، الألمعي الكامل، المضاد لجاثوم الخوف.
ترى، لماذا عادت لقرية «السعالا والوعالا» اختلافات الوعي وتناقض التقدير والفهم؟ وماذا لو أصبح الكل سواسية؟ سينعدم الخلل، والغلط، ولا يصبح الحكيم عقدة تماس، ولا
المتخلفون مطاطية بلادة كلمات وخطوات؟
إنها فرصة وعي لكل من يشعر بأنه يحيا معهم في قريتهم المغمى عليها، ليعيد النظر، في هراوة التخدير، وقطع اللسان، وتوقي شرر الغضب، أو قرب الغرق بعمق فيضان نفاق يطغى!
shaheralnahari@