القرار الأكاديمي بين الرجّة والارتجال!
السبت - 19 ديسمبر 2020
Sat - 19 Dec 2020
الارتجال في المواقف العامة وفي مجالس الرجال وعند الأدباء والشعراء يُعد منقبة وميزة لصاحبه، وهو من مؤشرات الذكاء وسرعة البديهة، ومن علامات الثقة ومفرزات الخبرة والتجربة الناضجة، ولا يختلف اثنان على أسبقية المرتجل وتفوقه الذهني واللفظي على من سواه، إلا أن الارتجال في اتخاذ القرار عادة ما يكون محفوفا بالمخاطر، وتزداد درجة الخطورة كلما كانت القرارات المرتجلة مرتبطة بجوانب حيوية مهمة للناس، وقد يتحول القرار وليد الارتجال في مثل هذه الأوضاع إلى ارتجاج وفقدان توازن أو إلى انتكاسة وأزمة يصعب معها الاحتواء وتدارك الآثار.
وأكثر القرارات المرتجلة خطورة هي تلك التي تحدث في حقل التربية والتعليم، ليس لأن صناع القرار تنقصهم الحيلة والذكاء أو الخبرة والتجربة، وليس لأن التنفيذ قد يأتي دونا عن المطلوب أو باهتا وضعيفا، لا، ليس بالضرورة كذلك، ولكن لأن المتلقي والمعني بالقرار ليس شخصا واحدا أو جهة واحدة، وإنما هم أجيال وأجيال من العقول البكر التي يصعب تعويضها أو إعادة تشكيلها إن - لا سمح الله - كان القرار المرتجل خبط عشواء أو لم يحظ بالعناية المطلوبة والدراسة الكافية!
لنأخذ مثالا واحدا على القرارات المرتجلة في الحقل الأكاديمي والتي ربما اتخذها أصحابها في لحظات ارتجاج واندفاع: قرار التدريس باللغة الصينية واعتبارها اللغة الثانية في بعض الجامعات، هذا القرار كما يبدو لم يُبنى أساسا على نتائج دراسات سابقة أو حوارات مستفيضة، ولم يخضع للتطبيق سواء لدينا أو لدى غيرنا، ولو بشكل مرحلي، حتى نقول إن التجربة كانت هي المحفز والداعي لاتخاذه! ولذلك إن لم نراجع هذا القرار سريعا أو نتدبر آلية لتطبيقه على مراحل بعيدة المدى أو إلغاءه مثلا فإننا سنجد أنفسنا قد وقعنا في ورطة تصحيح وأزمة تنفيذ!
وعلى أنني لست ضد تدريس اللغة الصينية في الجامعات ومعاهد اللغات، ولست ضد الانفتاح الثقافي والحضاري على الصين أو على غيرها، بل على العكس تماما، فالصين كدولة مركزية وذات نفوذ ولها أهمية سياسية واقتصادية، وكذلك لما للشعب الصيني من حضارة ضاربة في تاريخ البشرية، إلا أنني لست مع التدريس باللغة الصينية واعتبارها لغة للبحث العلمي في جامعاتنا، فالصينيون أنفسهم لا يسوّقون لتدريس لغتهم - فضلا عن التدريس بها - كما تفعل بعض الدول الناطقة بالإنجليزية على سبيل المثال، كما أن الصينيين ليسوا من هواة التمدد والانتشار الثقافي بقدر ما هم حريصون على تسويق منتجاتهم الصناعية واستثماراتهم المالية، وهذا طبعا لا يلغي نواياهم في تصدير ثقافتهم إن توفرت لهم على المدى البعيد الفرصة الظرفية المناسبة.
إحدى الجامعات المحلية الناشئة اعتمدت بشكل رسمي اللغة الصينية لغة ثانية للتدريس والبحث العلمي، بالرغم من أنها - أقصد الجامعة - ما زالت في طور التأسيس وناشئة في التدريس، وما زالت تحبو في كل شيء منذ تأسيسها إلى اليوم! تخيلوا معي متى سيتقن أساتذتها وطلابها اللغة الصينية حتى يتعلموا بها باقي العلوم!
للأسف مثل هذا القرار لم يأت نتيجة منطقية لسلسلة من الحوارات والدراسات أو بعد عملية من التفكير والتأملات، وإنما أتى هكذا قربانا لبقاء المسؤول الأكاديمي في منصبه واستمرار الهيئة الإدارية التابعة له، ومن المؤلم أن تكون الضحايا المحتملة لمثل هذه القرارات «المرجوجة» هم الطلاب والطالبات والعمل الأكاديمي برمته!
قد يأتي من يقول إن الإدارة الأكاديمية تتكامل مع القيادة السياسية في توجهاتها نحو الصين، فنقول هذا هو الطبيعي، فالإدارة الأكاديمية يجب ألا تعمل إلا ضمن الرؤية السياسية للدولة، ولكن القيادة السياسية لم تقل باعتماد اللغة الصينية لغة تدريس في الجامعات أو في التعليم العام، إطلاقا، وإنما حثت على تعلمها، وهناك فرق كبير بين من يقول: تعلموا اللغة الصينية وبين من يقول درّسوا بها! ولا شك أن قيادتنا السياسية بما تملكه من حس سياسي ووعي ثقافي دائما ما تدعو المؤسسات التعليمية الحكومية والخاصة إلى الاستفادة من الخبرات العالمية الصينية أو غير الصينية، سواء أكان ذلك في مجالات التعليم والبحث العلمي أو كان في مختلف مجالات الحياة!
الارتجال عند الإدارات الجامعية في جامعاتنا الناشئة ليست له علاقة بالفطنة والذكاء ولا بالطاعة والولاء، ولا حتى بالمشاعر الوطنية والانتماء، البتة، هو حالة من الانتفاخ الذهني والارتجاج في الشخصية الإدارية، ومحصلتها على مستوى القرار لا شيء إلا القلق، لذلك نحن بحاجة إلى الهدوء والعقلانية في القرارات الأكاديمية، وبالتالي السير نحو المطلوب بخطوات ثابتة ورؤية واضحة، ففي الأمثال الشعبية الصينية يقولون: السير أبعد من المطلوب كعدم الوصول إليه!
drbmaz@
وأكثر القرارات المرتجلة خطورة هي تلك التي تحدث في حقل التربية والتعليم، ليس لأن صناع القرار تنقصهم الحيلة والذكاء أو الخبرة والتجربة، وليس لأن التنفيذ قد يأتي دونا عن المطلوب أو باهتا وضعيفا، لا، ليس بالضرورة كذلك، ولكن لأن المتلقي والمعني بالقرار ليس شخصا واحدا أو جهة واحدة، وإنما هم أجيال وأجيال من العقول البكر التي يصعب تعويضها أو إعادة تشكيلها إن - لا سمح الله - كان القرار المرتجل خبط عشواء أو لم يحظ بالعناية المطلوبة والدراسة الكافية!
لنأخذ مثالا واحدا على القرارات المرتجلة في الحقل الأكاديمي والتي ربما اتخذها أصحابها في لحظات ارتجاج واندفاع: قرار التدريس باللغة الصينية واعتبارها اللغة الثانية في بعض الجامعات، هذا القرار كما يبدو لم يُبنى أساسا على نتائج دراسات سابقة أو حوارات مستفيضة، ولم يخضع للتطبيق سواء لدينا أو لدى غيرنا، ولو بشكل مرحلي، حتى نقول إن التجربة كانت هي المحفز والداعي لاتخاذه! ولذلك إن لم نراجع هذا القرار سريعا أو نتدبر آلية لتطبيقه على مراحل بعيدة المدى أو إلغاءه مثلا فإننا سنجد أنفسنا قد وقعنا في ورطة تصحيح وأزمة تنفيذ!
وعلى أنني لست ضد تدريس اللغة الصينية في الجامعات ومعاهد اللغات، ولست ضد الانفتاح الثقافي والحضاري على الصين أو على غيرها، بل على العكس تماما، فالصين كدولة مركزية وذات نفوذ ولها أهمية سياسية واقتصادية، وكذلك لما للشعب الصيني من حضارة ضاربة في تاريخ البشرية، إلا أنني لست مع التدريس باللغة الصينية واعتبارها لغة للبحث العلمي في جامعاتنا، فالصينيون أنفسهم لا يسوّقون لتدريس لغتهم - فضلا عن التدريس بها - كما تفعل بعض الدول الناطقة بالإنجليزية على سبيل المثال، كما أن الصينيين ليسوا من هواة التمدد والانتشار الثقافي بقدر ما هم حريصون على تسويق منتجاتهم الصناعية واستثماراتهم المالية، وهذا طبعا لا يلغي نواياهم في تصدير ثقافتهم إن توفرت لهم على المدى البعيد الفرصة الظرفية المناسبة.
إحدى الجامعات المحلية الناشئة اعتمدت بشكل رسمي اللغة الصينية لغة ثانية للتدريس والبحث العلمي، بالرغم من أنها - أقصد الجامعة - ما زالت في طور التأسيس وناشئة في التدريس، وما زالت تحبو في كل شيء منذ تأسيسها إلى اليوم! تخيلوا معي متى سيتقن أساتذتها وطلابها اللغة الصينية حتى يتعلموا بها باقي العلوم!
للأسف مثل هذا القرار لم يأت نتيجة منطقية لسلسلة من الحوارات والدراسات أو بعد عملية من التفكير والتأملات، وإنما أتى هكذا قربانا لبقاء المسؤول الأكاديمي في منصبه واستمرار الهيئة الإدارية التابعة له، ومن المؤلم أن تكون الضحايا المحتملة لمثل هذه القرارات «المرجوجة» هم الطلاب والطالبات والعمل الأكاديمي برمته!
قد يأتي من يقول إن الإدارة الأكاديمية تتكامل مع القيادة السياسية في توجهاتها نحو الصين، فنقول هذا هو الطبيعي، فالإدارة الأكاديمية يجب ألا تعمل إلا ضمن الرؤية السياسية للدولة، ولكن القيادة السياسية لم تقل باعتماد اللغة الصينية لغة تدريس في الجامعات أو في التعليم العام، إطلاقا، وإنما حثت على تعلمها، وهناك فرق كبير بين من يقول: تعلموا اللغة الصينية وبين من يقول درّسوا بها! ولا شك أن قيادتنا السياسية بما تملكه من حس سياسي ووعي ثقافي دائما ما تدعو المؤسسات التعليمية الحكومية والخاصة إلى الاستفادة من الخبرات العالمية الصينية أو غير الصينية، سواء أكان ذلك في مجالات التعليم والبحث العلمي أو كان في مختلف مجالات الحياة!
الارتجال عند الإدارات الجامعية في جامعاتنا الناشئة ليست له علاقة بالفطنة والذكاء ولا بالطاعة والولاء، ولا حتى بالمشاعر الوطنية والانتماء، البتة، هو حالة من الانتفاخ الذهني والارتجاج في الشخصية الإدارية، ومحصلتها على مستوى القرار لا شيء إلا القلق، لذلك نحن بحاجة إلى الهدوء والعقلانية في القرارات الأكاديمية، وبالتالي السير نحو المطلوب بخطوات ثابتة ورؤية واضحة، ففي الأمثال الشعبية الصينية يقولون: السير أبعد من المطلوب كعدم الوصول إليه!
drbmaz@