مشعل أباالودع

كيمياء التسامح

السبت - 19 ديسمبر 2020

Sat - 19 Dec 2020

يحدث أن ندخل في جدال مع الذوات التي تسكننا، ونغرق بين الفطرة والمكتسب، بين ما يمليه عليك التراجع عن قرارك وما يدعوك بلهفة وإصرار لاتخاذه. يحدث أن تجد نفسك أمام مشاعر سلبية تحول بينك وبين استمرارك في طريقك وضميرك مرتاح.

يحدث أن تصل علاقاتك مع أحدهم إلى أقصاها، لأنه خان الثقة التي أهديتها إياه في طبق من ذهب. خان العشرة والعهد الذي قطعه ذات مرة. جرعة ألم الصدمة تقودك إلى تكوين مشاعر سلبية تجاه ذلك الشخص، وقد يذهب بك الأمر إلى الحقد عليه والتفكير في الانتقام كذلك.

يحدث أن تفكر في الأستاذ الذي لفظ كلمات جارحة أمام أقرانك في القسم، بعد أن ضربك بعصاه بسبب خطأ لغوي بسيط ارتكبته على دفترك اليائس منك، والألم النفسي الذي أعقب تلك الضربات لسنوات عديدة. رغم مرور الوقت ورغم نضجك ما زلت تفكر في رد الاعتبار لنفسك ولبراءتك آنذاك.

يحدث أن تتذكر قهقهات زملائك في القسم الثاني واستخفافهم بك والتنمر الذي مارسوه عليك، لأنك كنت مختلفا عنهم في كل شيء، فقط لأن عقلك كان يتجاوز سنك ساعتها، وعالمك لم يكن يشبه عالمهم في شيء، فكان أن رفضوك وأعلنوا عليك حربا شنعاء عنوانها الطفولة تساوي الجحيم.

يحدث أن تيأس وأن تتأثر بكلمات أحدهم، قد يكون من أقرب الناس إليك، لأنه لم يؤمن بموهبتك ولا بطموحك في زمن مضى، فمنعك من المثابرة والمحاولة واللحاق بحلمك.. ورغم أنك ذهبت في طريق مغاير غير أنك لم تتقبل بعد تلك القصة.

يحدث ويحدث، رغم مرور الوقت ما زالت بعض الأحداث التي مضت تلحق بك ضررا لم تستطع التخلص منه، ورغم نضجك ووصولك إلى مرحلة مختلفة، غير أن ألم الصبا وألم العلاقات التي خلت وألم الوعود التي انكبت في المحيط، ما زالت تؤثر فيك وأنت لم تصل بعد إلى مرحلة التسامح والنسيان.

في واقع الأمر، إن التسامح هو وقود الحياة وهو ما يجعلنا نتصالح مع الوقائع والأشخاص الذين مروا بحياتنا. صحيح أن لا أحد يحق له أن يلحق بك الضرر تحت كل المسميات، لكن ما مضى فات ولن تصححه مشاعر الحقد ولا حتى الانتقام. عليك أن تحاول دائما التخلص من «الإيجو» الذي أوهمك بأن التسامح عنوان للتنازل وانعدام الكرامة وهو على العكس من ذلك، فالتسامح طريق لصفاء النفس وارتقائها، ويعبر عن نفس واعية بأن الخطأ وارد وأنها ربما هي الأخرى أخطأت يوما ما، لذا فالتسامح هو القانون الذي يمكنه أن يخلق نوعا من التوازن في هذا العالم.