عبدالعزيز السند

سياسة أمريكا التجارية تجاه الصين

الخميس - 17 ديسمبر 2020

Thu - 17 Dec 2020

يخلط البعض الأوراق عندما يظن أن الحرب التجارية الحالية مع الصين من صنيعة الرئيس الحالي ترمب، فالرئيس ترمب، ولتصحيح العجز - المخيف - في الميزان التجاري لصالح الصين، فعل ما يجب فعله، وما هو مخطط له.

بداية، النظامان الاقتصاديان لا يتشابهان، فنظام أمريكا الاقتصادي رأسمالي متطور وناضج ومنتشر منذ زمن، أما الصين فتعتمد نظام اقتصاد السوق الاشتراكي، الاقتصادان أشبه بخطين متوازيين. إن الكتلة البشرية ترجح كفة الصين على أمريكا، أما مستوى التعليم والدخل والاختراع والتقدم التقني، فقد كان الفارق بينهما كبيرا قبل ثلاثين عاما، ثم بدأ يتقلص تدريجيا، أما الآن فلم تعد الصين ذلك العملاق الفقير.

وحتى تكون الأمور أكثر تسلسلا للحصول على منطق للسياسات التجارية الأمريكية المستقبلية تجاه الصين، فلنرجع قليلا، لما يقارب ثلاثين عاما، ونرى كيف كانت علاقة أمريكا بالصين تجاريا. فبين عامي 1980-2004 ارتفع حجم التجارة بين الصين وأمريكا من خمسة مليارات دولار إلى 231 مليار دولار، وفي 2006م تفوقت الصين على المكسيك - بعد كندا - لتصبح ثاني أكبر شريك تجاري مع أمريكا. في 2008م، تفوقت الصين على اليابان لتصبح أكبر حائز للديون الأمريكية بنحو 600 مليار دولار. من جهة أخرى كان العجز التجاري الأمريكي مع الصين قد ارتفع من 273 مليار دولار عام 2010 إلى 295 مليار دولار في 2011م، ثم استمر هذا العجز ينمو بشكل كبير حتى وصل إلى 367 مليار دولار عام 2015، بعد ذلك بعامين، وصل إلى 375 مليار دولار.

الصين أصبحت ثالث أكبر سوق للصادرات الأمريكية عام 2019، هذه الصادرات من السلع والخدمات دعمت نحو 1.5 مليون وظيفة في أمريكا، وهنا نجد أن الصادرات الصينية تمكنت من السوق الأمريكي، كذلك صادرات أمريكا للسوق الصيني أصبحت عاملا مهما لخلق ودعم الوظائف. بين أمريكا والصين عدد من القضايا الطويلة والمعقدة، أثرت بلا شك على صفاء أو توتر العلاقة بينهما، فمسائل مثل حقوق الإنسان والتغير المناخي، وتايوان وهونج كونج، وقضايا الأمن السيبراني، جعلت العلاقة بين شد وجذب، تخللتها سياسات مختلفة بنيت على المصالح والتحديات، ووفق ما فرضه الواقع، أو التنبؤ بما سيكون عليه الاقتصاد العالمي، وعلى العملاق الفقير سابقا، مصنع العالم الحالي.

فبعد أن منح الرئيس كارتر الصين اعترافا دبلوماسيا كاملا عام 1979، دخلت أمريكا مع الصين في حقبة جديدة من العلاقات، وقد كان لتمدد الاتحاد السوفيتي آنذاك أثر بالغ على سياسة أمريكا (الداعمة) للصين، وفي 1982م، وقعت إدارة ريغان على بيان مشترك لتطبيع العلاقات، ولتعيد تأكيد التزام أمريكا بسياسة الصين الواحدة، ثم قام الرئيس ريغان بزيارة الصين في 1984م، وخلالها سمح لبكين بشراء معدات عسكرية أمريكية، مع ملاحظة انشغال أمريكا بالاتحاد السوفيتي، بالنمور الأسيوية الأربعة، خلال متنصف ثمانينات القرن الماضي وتسعيناته.

في 2000م وقع الرئيس كلينتون على قانون العلاقات الأمريكية الصينية، وخلالها تم منح بكين علاقات تجارية طبيعية دائمة، مما مهد الطريق لانضمام الصين إلى منظمة التجارة في العالم الذي يليه. في 2011م، دعت وزيرة الخارجية الأمريكية كلينتون إلى الاستثمار – الدبلوماسي والاقتصادي والاستراتيجي – في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وذلك لمواجهة النفوذ المتزايد للصين، وخلال العام ذاته، قدمت أمريكا والاتحاد الأوروبي واليابان طلبا للتشاور مع الصين في منظمة التجارة بشأن قيودها على تصدير المعادن النادرة، مما أجبر الشركات متعددة الجنسيات التي تستخدم المعادن على الانتقال إلى الصين.

عام 2017، قال الرئيس الأمريكي إنه سيحترم سياسة الصين الواحدة في مكالمة مع الرئيس الصيني، وفي العام الذي يليه، أعلنت إدارة ترمب عن رسوم جمركية شاملة على الواردات الصينية، بقيمة لا تقل عن 50 مليار دولار، ردا على ما سمي بسرقة الصين للتكنولوجيا والملكية الفكرية الأمريكية، كما فرضت تعريفات جمركية تبلغ قيمتها الإجمالية 34 مليار دولار، ووصفت الصين تحركات إدارة ترمب بأنها «تنمر تجاري» وحذرت من أن الرسوم الجمركية قد تؤدي إلى اضطرابات في السوق العالمية. في عام 2019، وبعد انهيار المحادثات التجارية، رفعت إدارة ترمب الرسوم الجمركية من 10% إلى 25% على عدد من سلع الصينية بقيمة 200 مليار دولار، كما وضعت وزارة التجارة الأمريكية «هواوي» على قائمتها السوداء للكيانات الأجنبية، فردت الصين بالإعلان عن خطط لزيادة التعريفات بقيمة 60 مليار دولار.

بداية هذا العام، وقعت الصين وأمريكا المرحلة الأولى للاتفاق التجاري، لتخفيف الحرب التجارية التي استمرت قرابة عامين، وبموجبه يخفف بعض الرسوم الأمريكية على الواردات الصينية، ويلزم الصين بشراء ما قيمته 200 مليار دولار من السلع الأمريكية، بما فيها المنتجات الزراعية، على مدى عامين، كما تتعهد الصين بفرض حماية الملكية الفكرية.

لا شك في أن الإدارة الأمريكية القادمة لن تغير من نهجها في الحد من العملاق الأسيوي الكبير، وما قامت به الإدارة السابقة من إجراءات حمائية لا شك بدأ يعيد التوازن في العلاقة التجارية بين البلدين، لذا ستبقى السياسة مع الصين على النهج نفسه، مع التخفيف من حدية التفاوض.

alsanadpage@