فهد عبدالله

الإذعان للحقيقة

الخميس - 17 ديسمبر 2020

Thu - 17 Dec 2020

ماذا لو كان لديك رأي غير محكم وبدأت تبحث عن صحته وبراهينه ووجدت عشرات الأدلة التي تنفي صحته، بينما وقفت على دليل واحد يؤكد ذلك الرأي السابق غير المحكم؟ كيف ستتفاعل معه؟ هل ستبقى على تلك القناعة السابقة أم ربما تغيرت بسبب وجود الأدلة المتعددة التي لها اتجاه مغاير؟

عشرات المواقف والآراء والتصورات تمر بنا بشكل متكرر ويحدث فيها مثل هذه الأيقونة بين صحة الاستدلال من جهة ومن جهة أخرى تفاعلنا معها من حيث الموافقة أو الرفض، وهذا الأمر يتفاوت فيه البشر في التعامل، وقد يرجع ذلك لعدة أسباب، منها المعرفة السابقة والدوافع الشخصية المحركة تجاه التفاعل مع الآراء، فضلا عن مقادير النزاهة الداخلية التي تجرد المشاعر أيا كان لونها تجاه الحقائق والأحداث من حولنا.

وهذه المعركة المتكررة بين العقل والسلوك والحقائق ونزعاتنا الداخلية كما أتأملها تقع على ثلاثة مشاهد:

المشهد الأول هو مشهد التعصب للحالة الراهنة التي عليها الإنسان من حيث الانتماء أو تتبع المصلحة الشخصية في جميع الآراء والتفاعلات من حولنا، بالتأكيد سيكون المشهد ملبدا بغيوم الأنانية والهوى الذاتي الذي حتى وإن أصاب مرة في تفاعله مع الحقائق والآراء فإنه سيخطئ لربما عشرات المرات، والسبب بكل بساطة ربط محورية الصواب والخطأ بالمنظور الشخصي البحت.

المشهد الثاني هو مشهد الإذعان للحقائق، وهو الحالة المثالية المنشودة التي تقود صاحبها إلى تحري الصواب قدر الاستطاعة، بعيدا عن كل المثالب الشخصية التي لا يخلو منها بشر، ومن ملامحها أن سطوة الحقيقة والصواب مقدمة على المعارف القديمة والجديدة، وسهولة الانتقال أيضا لرأي جديد أكثر صوابية من ذلك القديم.

المشهد الثالث، هو مشهد التذبذب بين المشهدين السابقة تارة تدور حول محور النزعات الشخصية أيا كانت مدارها، وتارة أخرى حول الحقيقة وتتبع سبلها، والموفق من تكاثرت لديه محاور تتبع مسارات الحقائق على تلك المسارات الشخصية البحتة.

لذلك، أعتقد أن الإنسان صاحب منهجية الإذعان للحقيقة الذي يخطئ في تبني رأي سيكون الخطأ هنا بالنسبة لي أفضل من ذلك الصواب الذي خلفه تتبع المسارات الشخصية البحتة، لأن صاحب الخطأ الأول سيتكفل الزمان بتصحيح خطئه لأنه مقولب على تتبع مسارات الحقيقة، ولن يكون هناك تعنت في تصحيح الخطأ إذا وقعت عينه من الوهلة الأولى على الحقيقة، بينما الآخر سيكون ذلك الصواب قد يطرأ عليه التغيير بمجرد تغير اتجاه بوصلة المصالح الشخصية، بعبارة أخرى المنهجية الصحيحة ستوصلك في الأغلب لنتائج صحيحة، وإن أخطأت ذات مرة، بينما المنهجية الخاطئة ستوصلك في الأغلب لنتائج خاطئة، وإن أصابت ذات مرة.

الإذعان للحقيقة بوصفه مبدأ وسلوكا كفيل بأن يجعل صاحبه في حالة تغيير إيجابية مستمرة، لأنه بدرجة أولى تحرر من كل تلك المعوقات الداخلية التي ترجح كفة الأنا على كفة رؤية الأمور كما هي، وكذلك تجعل من مساحة البعثرة النفسية الداخلية صغيرة جدا، لحجم التوافقات المتزايدة في الداخل مع مبدأ الإذعان للحقائق والمحاولات الحثيثة في تتبعها والانخراط في مساراتها.

fahdabdullahz@