أيمن الأحمدي

بين يدَي حاكم الشعر

الأربعاء - 16 ديسمبر 2020

Wed - 16 Dec 2020

تريدُ ليَ الأقدارُ ما لا أريدُهُ

وتخذُلُني الأيامُ فيما أودُهُ

تَحَكَمَ بي دهري تحكم سيدٍ،

وضيعٍ كأني في المقادير عبدُهُ

أعُدُ لهذا الدهرِ رأيي وفطنتي

فيأتيَني دهري بما لا أعُدُهُ

وحيدٌ وجيشُ النائباتِ يلُفُني

وكل حسودٍ حاقدٍ ليَ جُندُهُ

ويقذفني بالداهيات تهدُني

ويضحكُ من كفّي التي لا تهدُهُ

يُكايدني في كل حُلمٍ أريدهُ

يعانِدُ آرائي كأنيَ نِدُهُ

ويلهو بأقداري على كلِّ لعبةٍ

مصيريةٍ، يرمي كأنيَ نردُهُ

وأفتحُ أبوابَ الحظوظ جميعها

فيأتي لها باباً فباباً يسدُهُ

ويقتل أحلامي وهُنّ أجِنةٌ

ويدفنُ وردي قبل ينبتُ وَردُهُ

ويسلبني من كل حُلمٍ أحبهُ

وعَينَيْ حبيبٍ قد ثوى لا أرُدُهُ

ويُغمِدُ سيفَ الحادثات بأضلعي

كأن فؤادي في ضلوعيَ غِمْدُهُ

فللهِ قلبي كم حَبيبٍ هجرتُهُ

فمتُ، وثانٍ قد قتلنيَ صدُهُ

وكم من حَبيبٍ أعجزَ الوصلَ بُعدُهُ

على قُربِهِ مني، وكالقربِ بُعدُهُ

وكم من فتاةٍ قد فُتنت بحُسنها

وفَتّتَ قلبي حُسنُ قدٍ يقُدُهُ

وكم من غزالٍ قد تغزلتُ عندهُ

وقد جرّ تنهيدي من القلب نَهدُهُ

وكم من حبيبٍ فارقَ القلبُ أظلُعِي

أسىً، بعدما قد فارقَ العينَ خدُهُ

وكم من بغيضٍ لا أُفارقُ وجهَهُ

ومافارَقَتْ نُعمايَ في الناسِ حُسْدُهُ

يُواصِلني وصلاً على البُغض حقدُهُ

ويعشقُ قلبي دونما الناسِ حِقدُهُ

كمن يعشقُ المحقودَ - للحقدِ – حقدُهُ

ومن يعشقُ المنقودَ للنقدِ نَقدُهُ

رأيتُ من الدهر العجائبَ كلها

وما انفلّ حَدّي إذ تفلَلَ حدُّهُ

عدوٌ بأسماء الصديق يزورني

وبُغضٌ بأسماء المحبة وِدُهُ

وحبٌ إلى حقدٍ تحول فجأةً

وهَجْرٌ إلى قُربٍ تحوَل صَدُهُ

وكم من حَقُودٍ قد تحول مُعجَباً!

وكم من حبيبٍ قد تبَدّلَ وَجْدُهُ

بلوتُ زماني حلوَهُ ومَرِيرَهُ

وهان على عينيّ منه أشَّدُهُ

وأُذني على نَقدِ الحَسُودَ تَعَوَّدَت

فهانَ على أُذني وقلبيَ نَقدُهُ

رشدتُ ولم يَرشُد زماني وإنَهُ

جهولٌ على الأشرافِ يبطشُ زَندُهُ

وعشت بذي الدنيا كما عاش دائما

بها المتنبي، عاش والجِدُّ جَدُّهُ

فيا متنبي المجد مُتَ ولم يمُت

قصيدٌ به قد ضاهتِ الخُلْدَ خُلدُهُ

قصيدٌ له كل القصائد عَلْقَمٌ

يذوب على الأفواهِ والقلب شَهدُهُ

لقد عشتَ أفكاراً وشِعراً مُدوياً

قتلتَ الردى قتلاً فشِعرُكَ لحدُهُ

وكافورُ ما قد ماتَ لازالَ حاكماً

يُجدِدُ عُمراً إذ يُجددُ عَهدُهُ

يطيشُ بألبابِ الرعاديدِ رَعدُهُ

ويُبنَى على كتفِ العضاريطِ مجدُهُ

ويُحسِنُ للأيتامِ بعد اغتصَابِه

لمُلْكِهِمِ ، والغدرُ واللؤمُ قصدُهُ

أكنتَ تدسُ الذمَّ في مدحهِ لَهُ؟

بلى هو مدحٌ بالمذمةِ حَمْدُهُ

(وفاتِكُ) مُذ قد ماتَ ماتَ فواتكٌ

وما قاطِعٌ إلا تخشبَ حَدُهُ

وهذي بلادُ الشامِ أضحَت خرائباً

فلا حَلَبٌ فيها ولا من تَوَدُهُ

دُمستقُ ما بين الفراتِ وجِلَقٍ

تمشّى بها يحسو الدماءَ وجُندُهُ

وأفلَتَ "قِسْطَنْطِينُ" من قيدِ رجلهِ

ويا طالما أَدمَاهُ فاحمرّ جِلدُهُ

لقد قام فينا بالسلاحِ مُهدِداً

وأرعدَ - بعد الخوف - في الشام رعدُهُ

وهذي البطاريقُ العلوجُ تجمعت

بجيشٍ علينا قد تطاولَ قِردُهُ

لقد صارتِ الشامُ الحصونَ لجَيشهِ

فإن قام حصنُ الشام قام يهُدُهُ

فما حُرةٌ إلا وشُقَ حجابُها

وما عُنُقٌ إلا تناثرَ عِقدُهُ

وما من عليٍ قام أو سيف دولةٍ

ولا من حسامٍ للأَعادي نَعُدُهُ

ولا آل حمدانٍ ولا متنبئٍ

يزيدون مجداً منه يزدادُ مَجدُهُ

لقد أفسد الواشونَ يا متنبياً

عليك أميراً في ضميرك وِدُهُ

وهذا غلامٌ "للحسينِ" مُصوِبٌ

يُسَدِدُ سهما طاش موتك قَصدُهُ

فهيّجَ دمعاً من ودادٍ تَعُدُهُ

لتحفظَ وداً في فؤادك عَهدُهُ

وتقطعُ وادٍ للفراديس مُظلماً

تُحاذِرُ لصاً حين تخشاكَ أُسدُهُ

وهذا حبيبٌ في الشآم معممٍ

تجمعَ من ناديهِ خلفكَ حقدُهُ

تمنوا لك الموتَ الذي لا تهابُهُ

وتبحثُ عنهُ من زمانٍ توَدُهُ

وصدَّقَ من وهمٍ بدفنِكَ جمعُهُم

وما منهمُ إلا ومجدُك لحدُهُ

ومن يتوهمْ صدقَ القلبُ وهمَهُ

وإن كان كالعنقاء، يصعُبُ وُجْدُهُ

لقد كُنتَ تيّاها على كل أَحمقٍ

غبيٍّ تذاكى والغباءتُ مَهدُهُ

وكل وضيعٍ جاهلٍ متعالمٍ

غبائاتُهُ عن كل فهمٍ تحُدُهُ

يظنُ لهُ عَقلاً تفردَ في الذَكَا

وإن لهَ حُمقاً تفردَ فَردُهُ

لقد كُنتَ محبوباً إلى كُلِ ماجدٍ

يُصيبُكَ رغماً عن حسودكَ وِدُهُ

إذا زادَ حُبا فيك زِدتَ مودة

وغيركُمَا قد زاد في القلبِ حُسْدُهُ

وكُنتَ حَكِيماً حاكماً دونَ دولةٍ

وما ضَرّكَ الملكُ الذي عزَ وُجْدُهُ

‏حكمتَ على الحِكماتِ دهرا مُمَجداً

مليكاً حكيماً عاش للآنِ عَهدُهُ

وما مَلِكٌ منهم يُمَجَدُ مَجدُهُ

سواكَ، فأنتَ المجدُ والملكُ عبدُهُ

ونِلتَ الذي ما لم ينالوهُ بالقَنَا

خُلُوداً بمُلكِ الدهرِ شِعرُكُ جُندُهُ

وانت على عرش الزمانِ مُتَوجٌ

وما عرشُهُم إلا الترابُ ولَحدُهُ