دلال العريفي

الـ«DNA» التنظيمي

الاحد - 13 ديسمبر 2020

Sun - 13 Dec 2020

تبدو الاستراتيجيات رائعة نظريا، لكنها تتحول إلى شيء آخر مختلف حين تدخل حيز التطبيق أحيانا. لدرجة أن بعضها يصبح مجموعة من الإخفاقات والخيبات، وقد يرمى اللوم على الاستراتيجية الأولى! حسنا، كل مؤسسات العالم لديها استراتيجيات واضحة وخطط مستقبلية، لكن السؤال: كيف تخفق تلك الاستراتيجيات في الوصول إلى بر التنفيذ والتطبيق؟ نتساءل ما الذي يحدث في منتصف الطريق، لكننا نفقد الإجابات قبل المنتصف بكثير، ولهذا أعتقد أن المشكلة غالبا ليست في الاستراتيجية، بل في التنفيذ.

وفي مرحلة التنفيذ تنكشف وبوضوح تام الجينات التنظيمية للمؤسسة، ويتجلى بطريقة دقيقة الـ (DNA) التنظيمي لها، وهذا يا أصدقاء مصطلح ليس له علاقة بالأطباء أو بالتحاليل الطبية، لكنه استخدم أخيرا في مجال الإدارة. وكانت شركة بوز ألين هاملتون الأمريكية للاستشارات الإدارية، Booz Allen Hamilton Company for administrative consultations أول من استخدمه عند تأسيسها في عام 2002، بعد دارسة ضخمة شملت عدة قطاعات. ويقوم هذا المصطلح على مبدأ أن لكل منظمة خصائص جينية تميزها عن غيرها، تماما كما يتميز أحدنا بجيناته وبصمته الوراثية، وهو بهذه التسمية يبين العوامل الأساسية التي تحدد شخصية المنظمة والخصائص التي تتفرد بها، وله دور فعال في تحديد هوية المؤسسة وتشخيص واقعها ومهامها القيادية والإدارية، ويرسم بدقة متناهية مكامن القوة ومواطن الضعف فيها، مما يساعد على تفسير الأداء والسلوك التنظيمي، ويتوقع معها مصيرها وقدرتها على تحقيق النجاح.

والـ (DNA) التنظيمي باختصار يتضمن أربعة جينات أساسية للأداء المؤسسي، تتكامل وتترابط فيما بينها بطريقة عجيبة، وتؤثر وتتأثر ببعضها، بحيث ينعكس أي خلل أو تقصير فيها على شكل الـ (DNA) ويشوهه شكلا وأداء!

أول هذه الجينات هو الهيكل التنظيمي، فمعرفة التسلسل الهرمي مهم جدا لفهم طريقة تنفيذ المهام والتدرج فيها وعمل التقارير المرتبطة بها. والجين الثاني يتلخص في حقوق اتخاذ القرار داخل الإطار التنظيمي، فلا بد من معرفة من الذي يقرر وماذا وكيف يقرر ومن المشاركون في اتخاذ القرار أو رفضه وأين تنتهي سلطة اتخاذ القرار للشخص الأول ومن أين تبدأ سلطة الثاني. أما الجين الثالث فيكمن في التحفيز، حيث يوضح الأهداف والحوافز التي تقدمها المؤسسة، ويجيب عن كل الأسئلة التي تخص تحفيز العاملين وتقديرهم، على ماذا يقوم نظام الحوافز، وما هي وسائل التقدير المتبعة، وهل هي صريحة أم ضمنية، وهل هناك تحفيز أصلا أم إن هذا الجين لا يظهر في الصورة أساسا.

وتتركز أهمية الجين الأخير في عامل الاتصال والمعلومات المتوفرة، والبيانات المتاحة للأفراد، كما يركز على تحديد مقاييس إدارة الأداء وقياسه، وكيف يتم نقل ونشر وتداول المعرفة واستثمارها داخل المنظمة، هل الكل يملك حق المعرفة والاستخدام للمعلومات، وهل البيانات صريحة وصادقة، وهل يتاح الحصول عليها سريعا، للجميع، أم إنها تختزل لأفراد معينين!

هذه الجينات التنظيمية توفر إطارا عمليا يدعم القادة والمديرين في تشخيص المشكلات واكتشاف القوة الخفية للمؤسسة، وتساعد في تصحيح المسار التنظيمي من خلال فحص جميع جوانب المؤسسة ومواردها وعلاقاتها، ويكشف ببساطة ما هو متوفر وناجح، وما هو غير موجود أو مفقود ربما في أعماق المؤسسة بسبب التعقيدات الشديدة في تكوينها التنظيمي.

الأكيد أن معرفة مثل هذه الأمور ضروري جدا للتعرف على البصمة التنظيمية للمؤسسة والـ (DNA) الخاص بها، لمواجهة الاختلالات وفهم الخصائص التي ينبع منها التميز وينفضح فيها الإخفاق. والمريح في الأمر أنه لا حاجة لعمل فحص دم حقيقي لمعرفة ذلك، فبعض المؤسسات لا تملك الكثير منه.

@darifi_