عبدالله العولقي

لبنان واقتصاد الظل

الأربعاء - 09 ديسمبر 2020

Wed - 09 Dec 2020

يشتمل اقتصاد الظل على كل الحركات المالية المشبوهة، التي لا تخضع للرقابة الحكومية، ولا تدخل مدخلاته ومخرجاته ضمن الحسابات الرسمية للدولة، ولهذا يظل بعيدا عن أعين الرقابة الشرعية، فهو اقتصاد خفي يتمنهج على التهرب من كل الاستحقاقات الرسمية المترتبة عليه تجاه الدولة النظامية، سواء كانت رسوما أم ضرائب أم تقديم إقرارات بيانية.

ونظرا لتنوع مجالاته المشبوهة وتعدد أساليبه الملتوية، يطلق عليه أحيانا الاقتصاد الأسود أو الاقتصاد الخفي، ولأن الحديث عن لبنان، فإننا نتكلم عن الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت، جغرافية المعقل الأساسي لحزب الله، حيث تدار أكبر عمليات اقتصاد الظل في المنطقة، وهي عمليات تتعدى إطار الدولة اللبنانية، وترتبط مباشرة بطهران وأذرعها الموبوءة في العراق وسوريا واليمن، وتتركز أنشطتها على المجالات المحرمة دوليا كزراعة المخدرات وترويجها وعمليات غسيل الأموال بالإضافة إلى تجارة الأسلحة.

إن من أهم أسباب تفاقم اقتصاديات الظل هو تراجع الدور الرسمي للدولة، وغياب القوانين المختصة بمكافحة الجريمة، وهذا ما سعى إليه حزب الله بتنهيجه في عمق الهيكلية الإدارية للنظام، ففي لبنان هناك إشكالية الثنائية، كما يقول الأستاذ علي الأمين، ثنائية الدولة والدويلة (حزب الله)، فالدويلة قد تعملقت مع اقتصاد الظل لتتجاوز حجم الدولة نفسها.

من مشاهد اقتصاد الظل في لبنان، انتشار المؤسسات الخيرية الطائفية التي أنشأها حزب الله لتكون بديلا عن أنظمة البنوك الرسمية، كجمعية القرض الحسن التي أصبحت مركزا ماليا يستحوذ على احتياطات الذهب اللبناني، مقابل القروض الميسرة التي يقدمها لأبناء الطائفة، ولأنها مصنفة اجتماعيا تحت بند الجمعيات الخيرية فهي لا تخضع لقوانين وأنظمة الهيئات المالية في بيروت، مما منحها الفرصة في تمويل الأنشطة الإرهابية في داخل لبنان وخارجه.

لا شك أن اقتصاد الظل الذي يديره حزب الله في بيروت يشكل عبئا ثقيلا على المقومات المالية للدولة، لأنه لا يخضع لأنظمة الضرائب والحسابات النظامية، وليت الأمر يقف عند هذا الحد من السوء، فالسيطرة العسكرية التي يفرضها حزب الله على مرافق الدولة الحيوية وعلى الموانئ البحرية والبرية منحت اقتصاد الظل فرصة للنمو المتزايد على حساب الاقتصاد الوطني، ومن هنا قد نتفهم سر الحرص الشديد من لدن حزب الله وشريكه المتواطئ (حركة أمل) على الاستئثار بحقيبة المالية في كل حكومة يتم تشكيلها.

أخيرا، ربما لا توجد دولة في العالم بها من العبث الاقتصادي ونهب الثروات الوطنية مثلما هو حال الدولة اللبنانية، فاقتصاد الظل الذي تتحكم به ميليشيات حزب الله قد تجاوزت مقدراته 50% من مجمل الاقتصاد الرسمي للدولة اللبنانية، فهو يقيم دورة اقتصادية متكاملة خارج الإطار الحكومي المركزي، مما أدى إلى ضعف معدلات النمو الاقتصادي وعدم قدرته الحيوية على توليد فرص عمل للمواطنين، ولهذا نقول إن الأضرار الاقتصادية التي ألحقها اقتصاد الظل بالدولة اللبنانية هو آخر اهتمامات حسن نصر الله لأن أولوياته الحقيقية تتركز على إرضاء ملالي طهران.

albakry1814@