عبدالحليم البراك

المثقف البار بنفسه!

الاثنين - 07 ديسمبر 2020

Mon - 07 Dec 2020

رفض جان بول سارتر جائزة نوبل للآداب برا بمبادئه التي كان يؤمن بها، وكان محتجا على الاجتياح الفرنسي للجزائر لأنه مثقف يرى الحرية للإنسان بعيدا عن عرقه وجنسه، ثم إن سارتر نفسه يقول: لو بكى طفل في أي بلد في العالم، فالمثقف مسؤول عنه.

في إشارة كبيرة إلى وظيفة المثقف ورسالته في الحياة، إذن لم يكن جان بول سارتر بارا بنفسه بقدر بره بثقافته ورسالته الثقافية، فقد كان يحمل في عقله همّ العالم قبل أن يحمل هم نفسه، بينما المثقف البار بنفسه له صفات مختلفة عن ذلك المثقف البار بالإنسانية والثقافة، ولعل تبسيط الأمور يجعلها أكثر وضوحا، فيكون المثقف بارا بنفسه أكثر من مجتمعه عندما:

- يلوذ بالصمت بدلا من أن يعلّم الناس شيئا مفيدا، يلوذ بالصمت عندما يرى الناس يهتمون بقضايا الصحف الصفراء الفارغة، ومثلها في الوقت الحاضر مشاهير المواقع الاجتماعية من ذوي النزعة الفارغة، فالمثقف البار بنفسه يراهم في غرق ولا يقدم شيئا مفيدا لأنه يريد أن يوضع في موضع الاهتمام وإلا فإن الناس لا تستحق أن تمنحها علما.

- والمثقف البار بنفسه يرى المسافة شاسعة بينه وبين الناس، ويزعم بصعوبة أن يصل الناس لمستواه الفكري والثقافي، في نزعة متعالية مثالية، وبدلا من أن يساهم في إيصال فكره للناس ليصل الناس لفكره، يرى من الجيد أن يبقوا نصف جهلة ونصف متعلمين حتى يكتمل برّه بنفسه فتبقى شخصيته الأقوى والأهم.

- والمثقف البار بنفسه، المتناسي للمجتمع هو الذي يغضب كثيرا لأشيائه الشخصية التي قد تسلب منه، لكنه لا يهتم لأي فكرة أو حق يسلب من المجتمع أو من الناس، أو أي قيد يوضع عليهم، بل قد يبرر ذلك بغبائهم؛ ليؤكد ذكاءه هو، وهو إسقاط مرفوض!

- المثقف البار بنفسه يصنع الأوهام الخمسة التي أشار إليها المفكر اللبناني علي حرب في كتابه «أوهام النخبة أو نقد المثقف»، وهذه الأوهام هي «وهم النخبة»، ويقصد بها «التعالي بكونه نخبويا وغيره ليس كذلك»، «وهم الحرية» ويعني «اعتقاد أن المثقف حر من متعلقات المجتمع وهو في الواقع يمارس الاستبداد الفكري ووالغ في كأس العبودية»، «وهم المطابقة» وهو «اعتقاد أن الحقيقة شيء ثابت لا تتغير أو تتعدد باختلاف الواقع محتكرا لها»، «وهم الهوية» ومعناه «وهم البقاء على أصوله الفكرية دون تغيير ودون تجدد»، «وهم الحداثة» ومعنى وهم الحداثة هو: تبجيل المثقف لنماذج ثقافية معينة دون الاستقلال في نظرته نحو الأنسب!

المثقف البار بنفسه يصنع هذه الأوهام ثم يرعاها ثم يعتني بها، بل تنمو في عقله بسبب قصور ذاتي لديه وبسبب بنية الفكر الذي لديه!

- المثقف البار بنفسه يكرس التعالي، معتقدا في نفسه أنه: يعلم وهم لا يعلمون، يعرف وهم لا يعرفون، يدرك وهم ولا يدركون، فتجد أنه يلعب دور الأستاذ والناس حوله كلهم دور التلميذ والمريد، فإن لم يتنازل المريدون طلبا لعلمه فإنهم لا يستحقون العلم الذي بين يديه، ولذلك هو لا يتحمل الناس وأخطاءهم، بل سريع الغضب من أجل وضعه الاجتماعي، دون أي جهاد أو قتال من أجل الفكر، بل كل جهاده وقتاله من أجل نفسه!

@Halemalbaarrak