خالد الزعتر

التنازلات التركية.. الخروج من العزلة

الثلاثاء - 12 يوليو 2016

Tue - 12 Jul 2016

المتابع للسياسة الخارجية التركية في الآونة الأخيرة يجد أن أنقرة بدأت تنتهج سياسة التنازلات في محاولة منها للخروج من العزلة الإقليمية التي وضعت تركيا قدمها على طريقها بعد أن سعت للتصادم مع القوى الإقليمية المؤثرة مثل مصر بعد أن وقفت تركيا أمام إرادة الشعب المصري ووصفت ثورة الـ30 من يونيو التي أفضت إلى سقوط نظام الإخوان المسلمين بأنها انقلاب عسكري.

وهذه العزلة التي دخلت تركيا على طريقها لم تقف عند حدود العزلة الإقليمية بل امتدت لتصل إلى عزلة دولية بعد تصادم تركيا مع قوى دولية فاعلة ومؤثرة على مسرح الأحداث الدولية والإقليمية، من خلال إسقاط أنقره للمقاتلة الروسية على الحدود السورية التركية وما تبعها من خطوات اتخذتها موسكو للرد على هذه الحادثة، ووصلت إلى حد تأثر العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين.

عند الحديث عن العلاقات التركية الإسرائيلية التي توصل البلدان خلالها قبل فترة قصيرة إلى اتفاق على عودة تطبيع العلاقات بينهما، نجد أن تركيا أقدمت على التنازل بشرط رفع الحصار عن غزة وهي التي ظلت متمسكة به في السابق، وهذا التنازل من قبل أنقرة لا يمكن النظر إليه إلا أنه يأتي كمحاولة من قبل أنقره لإزالة أي عراقيل قد تبطئ من عملية تطبيع العلاقات مع إسرائيل، كما أن هذا التنازل سوف يجعل إردوغان يفقد الكثير من شعبيته التي اكتسبها من خلال توظيف القضية الفلسطينية قضية العرب الأولى لصالحه خلال السنوات الماضية لكسب تعاطف الشعوب العربية والإسلامية.

فيما يخص العلاقات التركية الروسية نجد أن الاعتذار التركي لموسكو عن حادثة إسقاط المقاتلة الروسية على الحدود السورية التركية جاء ليؤكد أن تركيا هي المتضرر الأكبر من توتر علاقاتها بموسكو، وهذا التنازل الذي أقدمت عليه أنقرة يأتي في محاولة للسيطرة على العزلة الدولية من أن تزداد قبضتها خاصة في ظل وجود بوادر توتر ما بين تركيا والقوى الغربية الحليفة لها والتي كانت تستند أنقرة عليها.

التنازلات التي أقدمت عليها تركيا لم تقف عند حدود إعادة العلاقات مع روسيا وإسرائيل بقدر ما تخطت ذلك بكثير وألقت بظلالها على ملفات المنطقة، وبحسب مصادر دبلوماسية تركية تحدثت لصحيفة «الشرق الأوسط» فإن أنقره قد تقبل بوجود الأسد لمرحلة انتقالية قصيرة، ما بعد هذا القبول تنازل، خاصة أن أنقرة كانت متمسكة بضرورة رحيل الأسد وعدم وجوده في المرحلة الانتقالية، وهذا التغيير في السياسة الخارجية التركية تجاه الملف السوري لا يمكن النظر إليه بعيدا عن التفجيرات التي ضربت تركيا في الآونة الأخيرة، وبخاصة مطار أتاتورك الذي سوف يكون له بالغ الأثر في ضرب السياحة وزعزعة الاقتصاد التركي، ومن هنا يبدو أن أنقرة بدأت تدرك أن الأحداث في سوريا لم تؤثر على علاقاتها الدبلوماسية مع روسيا فقط بل بدأت أيضا تؤثر على أمنها واستقرارها.

جاءت هذه التنازلات دفعة واحدة، ومن موقع عزلة تحاول أنقرة الخروج منها، وجاءت لكي تؤكد مدى الضعف الذي وصلت إليه السياسة الخارجية التركية في الآونة الأخيرة، والتخبط الذي كان غير مستغرب في النهاية بسبب السياسات التصادمية لأنقرة مع القوى الإقليمية وكذلك الدولية.