هل ترسم نتائج الانتخابات الأمريكية خريطة جديدة للشرق الأوسط؟
الثلاثاء - 01 ديسمبر 2020
Tue - 01 Dec 2020
يدور نقاش في الإعلام عن تأثير نتيجة الانتخابات الأمريكية على مصير الشرق الأوسط المضطرب، وكأن الناخب الأمريكي لديه المقدرة على إعادة رسم الخريطة السياسية.
في مبالغة تحليلية ينساق لها كثيرون لا تأخذ بعين الاعتبار تداخل القضايا الإقليمية بالمصالح الأمريكية، ناهيك عن القضايا الأمريكية الداخلية، كالاقتصاد وجائحة فيروس كورونا والقطاع الصحي العام والانتشار العسكري الأمريكي خارج الحدود، وغيرها من القضايا التي تحوز الأولوية عند الناخب الأمريكي.
صحيح أننا أمام مرحلة أقل ما توصف بأنها مثيرة وجديدة، كونها لحظة تحوّل وما تحمله من الانتقال من رئيس إلى آخر، من الرئيس ترمب الذي جاء من خارج المؤسسة الأمريكية إلى الرئيس المنتخب بايدن الآتي من داخلها، غير أننا على المستوى الاستراتيجي لسنا أمام تحوّل من نظام إلى آخر في أمريكا.
أصلا لا يمكن القفز من فوق مسار صناعة القرار الأمريكي إلى القضايا والأزمات العالمية والإقليمية، صناعة القرار في واشنطن تمر من خلال منظومة معقدة ومركبة جدا، الحكاية تبدأ من المؤسسات الحكومية (وزارات الدفاع والخارجية والخزينة وغيرها) مرورا بالبيت الأبيض ووصولا إلى الكونغرس الأمريكي بمجلسيه.
المقصود أن الموضوع أكبر من أشخاص أو حتى نتيجة انتخابية.
ما يطرحه فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الأمريكية هو السؤال التالي: هل من الممكن للرئيس الأمريكي المنتخب ترميم النظام الإقليمي للشرق الأوسط الذي انهار مع الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003؟ أم إن المنطقة بحاجة إلى نظام دولي جديد يفرز خريطة سياسية جديدة للإقليم؟
الإجابة عن السؤال تحتم علينا مراجعة المفاهيم العلمية في نشأة الأنظمة السياسية. هنا لا بد من الرجوع إلى النظريات، الرجوع إلى القوانين العلمية بدلا من التفاصيل السياسية والساحات المشتعلة التي ننشغل بها وبتفاصيلها.
بحسب الموسوعة السياسية تتكون الأنظمة الدولية من الدول الأعضاء والمنظمات الدولية والأنظمة الإقليمية والشركات العابرة للحدود والأحزاب والمنظمات الخارجة عن إطار الشرعية، وتقسم الجغرافيا إلى أقاليم تخضع بمجملها إلى النظام الدولي الكبير، ولكل من تلك المناطق نظامها الإقليمي الخاص الذي يعمل في ظل النظام الدولي، وتمارس الأنظمة الإقليمية دورها من خلال موازين القوى الدولية.
بمعنى آخر، كل الأنظمة الإقليمية أبناء لأم اسمها النظام الدولي، متى مارست الأم تربيتها بتوازن بين الأبناء فستنحسر وتيرة الصراعات وتندثر خطوط التماس الدينية والعرقية والطاقة، والعكس صحيح، حين يفقد البيت العالمي أمومته تعم الفوضى والإرهاب.
وبحسب علم الأنظمة الإقليمية، تخرج من رحم النظام الدولي الكبير وليس العكس كما يعتقد البعض، فالبنت لا تستطيع ولادة أمها كما في المثل الدارج، والقادة لا أبوة لهم للأنظمة التي يعملون فيها.
ولي الأمر يبقى التوازن المطلوب من الأم، هي ولي الأمر ولها حق الحضانة الأبدية.
الثابت في كل هذا الكلام العلمي أن الأنظمة الدولية تتغير، وأن ولادة الأنظمة تأتي بحسابات القدرة لا الرغبة، وأن ولادة النظام الدولي الجديد والمتوقع تبدأ من التفاهمات الدولية على خطوط التماس ذات التأثير على الصعيد الاستراتيجي، وفي إقليمنا لا صوت يعلو فوق صوت التنافس الأمريكي الإيراني على العراق، فالعراق أو «الجائزة الكبرى في لعبة الأمم الإقليمية» كما يصفها أحد الدبلوماسيين العرب، أهم مؤشر لبزوغ فجر عربي جديد. وإلى حين الوصول إلى نقطة التوازن المطلوب، داخل العراق وخارجها أيضا، لا نستطيع إعلان ولادة نظام إقليمي عربي جديد، ولا يستطيع الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن كذلك.
وإذا ما كبرنا الصورة من الإقليمي إلى الدولي، فسنجد أن كل هذا الكلام مرتبط بالتنافس الاستراتيجي الدائر بين القوة الصاعدة دوليا الصين والقوة المتأهبة عالميا أمريكا، حيث لا توازن سياسيا في كوكب الأرض من دون سقف للتنافس بين بكين وواشنطن، على حسب وصف وزير الخارجية الأمريكي السابق هنري كيسنجر.
لنتأمل الخريطة مرة أخرى، معظم خطوط التماس لا تزال مشتعلة كما كانت في عهدي الرئيسين الأمريكي باراك أوباما ودونالد ترمب، والتدخل الخارجي يجري على قدم وساق بما أن جميع بوابات المنطقة العربية مخلعة، لا تبدو البيئة الاستراتيجية الدولية أيضا ناضجة لولادة نظام دولي جديد.
النتيجة هي أن منطقة الشرق الأوسط ستظل في محطة الانتظار من دون صعود إلى حافلة الاستقرار، وأن النظام الإقليمي الذي انهار عام 2003 لا يمكن ترميمه. علينا العمل بالنتائج وتأجيل البحث في الأسباب، التي لعل أهمها الإنفلاش الإيراني والتغول التركي والانغماس الأمريكي في أدق التفاصيل الإقليمية.
في مبالغة تحليلية ينساق لها كثيرون لا تأخذ بعين الاعتبار تداخل القضايا الإقليمية بالمصالح الأمريكية، ناهيك عن القضايا الأمريكية الداخلية، كالاقتصاد وجائحة فيروس كورونا والقطاع الصحي العام والانتشار العسكري الأمريكي خارج الحدود، وغيرها من القضايا التي تحوز الأولوية عند الناخب الأمريكي.
صحيح أننا أمام مرحلة أقل ما توصف بأنها مثيرة وجديدة، كونها لحظة تحوّل وما تحمله من الانتقال من رئيس إلى آخر، من الرئيس ترمب الذي جاء من خارج المؤسسة الأمريكية إلى الرئيس المنتخب بايدن الآتي من داخلها، غير أننا على المستوى الاستراتيجي لسنا أمام تحوّل من نظام إلى آخر في أمريكا.
أصلا لا يمكن القفز من فوق مسار صناعة القرار الأمريكي إلى القضايا والأزمات العالمية والإقليمية، صناعة القرار في واشنطن تمر من خلال منظومة معقدة ومركبة جدا، الحكاية تبدأ من المؤسسات الحكومية (وزارات الدفاع والخارجية والخزينة وغيرها) مرورا بالبيت الأبيض ووصولا إلى الكونغرس الأمريكي بمجلسيه.
المقصود أن الموضوع أكبر من أشخاص أو حتى نتيجة انتخابية.
ما يطرحه فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الأمريكية هو السؤال التالي: هل من الممكن للرئيس الأمريكي المنتخب ترميم النظام الإقليمي للشرق الأوسط الذي انهار مع الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003؟ أم إن المنطقة بحاجة إلى نظام دولي جديد يفرز خريطة سياسية جديدة للإقليم؟
الإجابة عن السؤال تحتم علينا مراجعة المفاهيم العلمية في نشأة الأنظمة السياسية. هنا لا بد من الرجوع إلى النظريات، الرجوع إلى القوانين العلمية بدلا من التفاصيل السياسية والساحات المشتعلة التي ننشغل بها وبتفاصيلها.
بحسب الموسوعة السياسية تتكون الأنظمة الدولية من الدول الأعضاء والمنظمات الدولية والأنظمة الإقليمية والشركات العابرة للحدود والأحزاب والمنظمات الخارجة عن إطار الشرعية، وتقسم الجغرافيا إلى أقاليم تخضع بمجملها إلى النظام الدولي الكبير، ولكل من تلك المناطق نظامها الإقليمي الخاص الذي يعمل في ظل النظام الدولي، وتمارس الأنظمة الإقليمية دورها من خلال موازين القوى الدولية.
بمعنى آخر، كل الأنظمة الإقليمية أبناء لأم اسمها النظام الدولي، متى مارست الأم تربيتها بتوازن بين الأبناء فستنحسر وتيرة الصراعات وتندثر خطوط التماس الدينية والعرقية والطاقة، والعكس صحيح، حين يفقد البيت العالمي أمومته تعم الفوضى والإرهاب.
وبحسب علم الأنظمة الإقليمية، تخرج من رحم النظام الدولي الكبير وليس العكس كما يعتقد البعض، فالبنت لا تستطيع ولادة أمها كما في المثل الدارج، والقادة لا أبوة لهم للأنظمة التي يعملون فيها.
ولي الأمر يبقى التوازن المطلوب من الأم، هي ولي الأمر ولها حق الحضانة الأبدية.
الثابت في كل هذا الكلام العلمي أن الأنظمة الدولية تتغير، وأن ولادة الأنظمة تأتي بحسابات القدرة لا الرغبة، وأن ولادة النظام الدولي الجديد والمتوقع تبدأ من التفاهمات الدولية على خطوط التماس ذات التأثير على الصعيد الاستراتيجي، وفي إقليمنا لا صوت يعلو فوق صوت التنافس الأمريكي الإيراني على العراق، فالعراق أو «الجائزة الكبرى في لعبة الأمم الإقليمية» كما يصفها أحد الدبلوماسيين العرب، أهم مؤشر لبزوغ فجر عربي جديد. وإلى حين الوصول إلى نقطة التوازن المطلوب، داخل العراق وخارجها أيضا، لا نستطيع إعلان ولادة نظام إقليمي عربي جديد، ولا يستطيع الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن كذلك.
وإذا ما كبرنا الصورة من الإقليمي إلى الدولي، فسنجد أن كل هذا الكلام مرتبط بالتنافس الاستراتيجي الدائر بين القوة الصاعدة دوليا الصين والقوة المتأهبة عالميا أمريكا، حيث لا توازن سياسيا في كوكب الأرض من دون سقف للتنافس بين بكين وواشنطن، على حسب وصف وزير الخارجية الأمريكي السابق هنري كيسنجر.
لنتأمل الخريطة مرة أخرى، معظم خطوط التماس لا تزال مشتعلة كما كانت في عهدي الرئيسين الأمريكي باراك أوباما ودونالد ترمب، والتدخل الخارجي يجري على قدم وساق بما أن جميع بوابات المنطقة العربية مخلعة، لا تبدو البيئة الاستراتيجية الدولية أيضا ناضجة لولادة نظام دولي جديد.
النتيجة هي أن منطقة الشرق الأوسط ستظل في محطة الانتظار من دون صعود إلى حافلة الاستقرار، وأن النظام الإقليمي الذي انهار عام 2003 لا يمكن ترميمه. علينا العمل بالنتائج وتأجيل البحث في الأسباب، التي لعل أهمها الإنفلاش الإيراني والتغول التركي والانغماس الأمريكي في أدق التفاصيل الإقليمية.