محمد الأحمدي

المنك الدنماركي والثعلب الفنلندي

الثلاثاء - 01 ديسمبر 2020

Tue - 01 Dec 2020

طالما ارتبطت الدنمارك وفنلندا كبلدين إسكندنافيتين من شمال القارة الأوروبية بقوائم التصانيف العالمية في سعادة المجتمعات، ومستوياتهم المعيشية، وأنظمة التعليم، وقلة نسبة الفساد فيهما. فهما تأتيان في المرتبتين الأولى والثالثة في أقل دول العالم فسادا على التوالي. فالدنمارك هو البلد الصغير المشهورة باقتراب مدنه من السواحل، والحائز الحظ الوافر من جائزة نوبل بنحو 14 جائزة.

وكذلك فنلندا التي تحتل مخرجات نظامها التعليمي مستوى عاليا من الجودة بين الأنظمة التعليمية العالمية، وسميت ببلد الألف بحيرة لكثرة البحيرات فيها، ما جعلها من أوائل المصدرين للأخشاب ومشتقاتها في العالم.

بعد هذه المعلومات أنقلكم إلى عنوان المقال الذي جمع بين الدولتين، فكلتاهما مشهورتان بالاستزراع الحيواني لحيوانات منتجة للفراء، كحيوان المنك، والثعالب، والأرانب بعدما تحولت أوروبا إلى العصر الصناعي. وفي الواقع فإني عند البحث عن الإحصاءات التي توضح لكم هذه الصناعة اعتمدت على المصادر الرسمية للبلدين كوزارة الزراعة الدنماركية، وجمعية مربي الفراء في فنلندا، حتى تكون البيانات منصفة بعيدا الحملات الحقوقية لمحاربة هذه المهنة.

تعد الدنمارك أكبر منتج لجلود حيوان المنك، وتأتي فنلندا أكبر منتج لفراء الثعالب في أوروبا، وثاني أكبر منتج بعد الصين، والبلد الأوروبي الوحيد الذي منحته المفوضية الأوربية السماح بتربية الراكون الفنلندي. وقد قدرت صادرات فنلندا في 2019م حسب جمعية مربي الفراء الفنلندية بـ 1.9 مليون ثعلب، ومليون فرو منك، و154000 جلد راكون بقيمة تتجاوز 312 مليون يورو. وتقدر المزارع المنتجة للفراء فيها بنحو 856 مزرعة. توفر هذه المزارع قرابة 4000 وظيفة على أقل تقدير، وتدر لخزينة الدولة ما يقدر بـ 119 مليون يورو من الضرائب والتأمين سنويا.

ويقابل ذلك في الدنمارك 1500 مزارع منتج للفراء حسب وزارة الزراعة الدنماركية، وتصدر 19 مليون جلد منك دنماركي سنويا، وما يزيد على 7 ملايين جلد فرو من دول أخرى، حيث تستقطب الصين ثلث هذه الكمية من جلود الفراء.

وتعد جلود الفرو والمنك ثالث أكبر سلعة مصدرة من الدنمارك من أصل حيواني بقيمة تقدر 1.1 مليار يورو. ومؤخرا، قامت بالتخلص من 17 مليون حيوان منك منتج للفرو بسبب انتقال فيروس كورونا إليه، مما أدى إلى استقالة وزير الزراعة الدنماركي.

أما الصين منشأ الفيروس، ففي بحث ميداني أجري بين عامي 2004-2005 من ثلاثة من الباحثين حول تجارة الفراء فيها، أحدهما المؤسس والرئيس التنفيذي لـ People for Nature & Peace الدكتورة باربارا ماس، يشير إلى أن تجارة الفراء تحقق مكاسب تقدر بمليار دولار سنوي، وأن حجم واردات وصادرات الصين من الفراء في عام واحد بلغت 997.6 مليون دولار، حيث تستورد 5 ملايين جلد منك، و1.5 جلد ثعلب كل سنة. وهو ما يمثل 40% من هذه التجارة عالميا.

ومع حلول الشتاء القارس، وبجولة خاطفة على التسوق الإلكتروني بحثا عن أسعار المعاطف المصنوعة من فراء حيوان المنك، ظهرت الأسعار التي تجعل المزارعين الدنماركيين يتجمعون اعتراضا على تدمير مزارعهم في شوارع كوبنهاجن، ويتناسون كل أصوات منظمات حقوق الحيوان الصاخبة في العالم تجاه تجارتهم، فمليون يورو قيمة مقدرة لمعطف صممه كارل لاغرفيلد لماركة فندي Fendi الإيطالية، و39 ألف جنيه إسترليني قيمة معطف مصنوع من جلد تمساح أسترالي معروض في الموقع الإلكتروني لماركة هيرميس Hermès الفرنسية هي ثمرة جهد تربيتهم لهذه الحيوانات.

ويبقى استهداف الفيروس لمزارع حيوانات المنك الدنماركي أو الثعلب الفنلندي المعدة لإنتاج الفراء غير مضر بمعيشة العالم، ويبقى تأثيره على الأقل محصورا في منتجيها في حال التخلص منها كحال الدنمارك.

لكن الكارثة إن تسلل الفيروس إلى حيوانات تشكل غذاء رئيسا للإنسان، كمزارع الدواجن ومزارع الألبان، ومزارع إنتاج اللحوم، أو حيوانات المنازل، والذي بات يلوح في الأفق الأوروبي، فتسجيل حالات إصابة بإنفلونزا الطيور ببريطانيا مؤخرا، وانتشار فيروس كوفيد 19 في مزارع حيوان المنك الدنماركي نذير بمرحلة جديدة من دراما الوباء العالمي، وتغيير ساحة المعركة من الإنسان إلى الحيوان، والتي قد تكون أقسى مما حدث سابقا على الإنسان وعلى البيئة إن نجح التحول الفيروسي للحيوانات المختلفة. في المقال المقبل أتناول معكم تداعيات هذه المسألة.

Alahamdim2010@