محمد العطية

الحياة الذكية ومستقبل البشرية مع إنترنت كل شيء والذكاء الاصطناعي

السبت - 28 نوفمبر 2020

Sat - 28 Nov 2020

على مدى التاريخ كان الإنسان هو صاحب العقل وهو المسيطر والمدبر وهو حلقة الوصل بين الأشياء، إلا أن ثورة شبكات الجيل الخامس (5G) والسادس (G6) سوف توفر سرعات عالية جدا لنقل البيانات بين الأشياء، وبالتالي أي شيء يمكن أن يلتصق به وحدة معالجة ولديه خاصية الاتصال ويمكن أن تتعرف عليه شبكة الإنترنت من خلال بروتوكولات الإنترنت المعروفة؛ يعد شيئا في عالم إنترنت كل شيء (IOE- Internet Of Everything) مثل: الساعات، التلفزيونات، النظارات، الأثاث، الحافلات، السيارات، السفن، القوارب، الطائرات، الأشجار، المباني، الشوارع، الحيوانات.

أعضاء جسم الإنسان والإنسان نفسه «شيء» إذا ما ألصق به أو بمحيطه عنوان إنترنت معين، وسوف نتحول إلى: المدن الذكية، المصانع الذكية، المباني الذكية، الطاقة الذكية، الرعاية الصحية الذكية، الزراعة الذكية، البيئة الذكية، سلاسل الإمداد الذكية، قطاع التجزئة الذكي، وسائل النقل الذكية، السيارات الذكية، الأمن الذكي، أنظمة المراقبة والإنذار الذكية، وبالتالي سيكون هنالك مليارات الأشياء متصلة بالإنترنت، مما سيمكن كل الأشياء في حياتنا من قابلية الاتصال بعضها ببعض، لإرسال واستقبال البيانات للتخاطب والتفاهم عبر شبكة الإنترنت، دون التدخل المباشر للبشر، لأن الإنسان يُعد أحد طرفي الاتصال مثله مثل أي شيء آخر، ومن هنا نستطيع أن نطلق مصطلحا جديدا على حياتنا وهو «الحياة الذكية».

طوفان المعلومات والخدمات قادم

ومن خلال إنترنت كل شيء الذي سوف يولد كمية ضخمة من البيانات (Big Data) التي ترصدها أجهزة الاستشعار التي تعمل في مختلف الظروف بدون كلل أو ملل وعلى مدار الساعة، فإن الذكاء الاصطناعي (AI-Artificial Intelligence) سوف يسمح للآلات بالتفكير والتعلم بطريقة تشبه البشر، وسوف يحلل هذه البيانات الضخمة بطريقة فعالة في أجزاء من الثانية، لاستخلاص المعلومات التي تستخدم في دعم اتخاذ القرار (Decision-Support Systems)، وليقوم الذكاء الاصطناعي بدوره في اتخاذ القرار المناسب، ومثال على ذلك عند ارتداء شخص أجهزة الاستشعار الصحية الذكية المدمجة مع الذكاء الاصطناعي لمراقبة مؤشراته الحيوية ومواعيد تناوله الدواء، سيكون قادرا على اكتشاف المشكلات المفاجئة عن بعد، سواء بتغير ضغط الدم أو مستويات السكر أو درجة الحرارة أو سرعة نبضات القلب، وتخزينها في مراكز البيانات بحيث يجري تحليلها بهدف الكشف عن المرض والتدخل الطبي في الوقت المناسب، وسوف تكون الوقاية والتشخيصات المبكرة أساسية لمستقبل الصحة بدلا من الاستجابة للمرض.

كما أن التقنية المالية فنتك (FinTech) التي تسمح حاليا بالتعامل المالي الرقمي المباشر للدفع والتحويل بين الأشخاص دون تدخل البنوك (النظير للنظير)، سوف تجمع وتدمج بيانات المعاملات المالية لحسابات العملاء البنكية والاستثمارية، مهما كان موقعها، مع الذكاء الاصطناعي للتنبؤ باحتمالية عدم سداد المبالغ المقترضة، والتنبؤ بعمليات الاحتيال المحتملة، وتوقيتها لإدارة المخاطر قبل وقوعها على العملاء.

الذكاء الاصطناعي والأمن الالكتروني

إن الذكاء الاصطناعي يحسِّن قدراته بسرعة، ويثبت ذاته على نحو متزايد في المجالات التي يسيطر عليها الإنسان تاريخيا، ويتوقع كثير من الخبراء أنه في غضون نصف قرن من الزمان سيكون الذكاء الاصطناعي قادرا على فعل أي شيء يمكن للإنسان القيام به، بل قد يتفوق على الإنسان.

ولكن في ظل حدوث طفرة هائلة في نمو إنترنت كل شيء تتزايد المخاوف الأمنية بسبب احتمالية اختراق تلك الأشياء وانتهاك خصوصية البيانات والمعلومات المتداولة من خلالها، فإذا ما تم اختراق شبكة الأشياء المتصلة (IOE) فإنه بالإمكان التحكم في الأشياء أو تزويدها ببيانات خاطئة لإحداث خلل في أداء وظائفها، وهذا قد يكون له خطر مباشر على صحة الإنسان أو حياته، مما يتطلب بناء منظومة متكاملة للأمن السيبراني، إلا أن الذكاء الاصطناعي سيكون أحد الركائز الأساسية في مجال الأمن الالكتروني خلال الأعوام المقبلة، إن لم يكن قد أصبح كذلك بالفعل، فكثير من برامج الأمن الالكتروني وعدت بدفاعات لا يمكن اختراقها بسبب اعتمادها على تقنيات الذكاء الاصطناعي، والتي تُمكنها من الكشف الفوري عن أي برامج ضارة على الشبكة والاستجابة للحوادث واكتشاف الاختراقات قبل أن تبدأ والتصدي لها.

وفي استشرافنا للمستقبل فقد منحت المملكة الجنسية السعودية للروبوت «صوفيا» (Sophia) بادرة رمزية لمشروع مدينة نيوم الذكية (NEOM)، ليكون له دور محوري في إدارة مدينة المستقبل، ومما لا شك فيه أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي المبنية على البيانات الدقيقة ستساعد على تحسين جودة الحياة، وترشيد استخدام الموارد وتقليل استهلاك الطاقة والمياه، وتوفير الموارد الطبيعة، والحفاظ على البيئة، إضافة إلى تحسين الأمن، وفي استباق كثير من الأحداث والمخاطر وتحديد التهديدات المحتملة واتخاذ الإجراءات الوقائية دون تدخل بشري، وكذلك ستساهم في تقديم الحلول لمعظم التحديات الملحة التي تواجهها البشرية، بدءا من الطاقة النظيفة، وصولا إلى علاج الأمراض المستعصية.

اللاعبون الكبار

يبدو هذا كأنه من روايات الخيال العلمي، ولكن الحقيقة هي أن كثيرا من قوة الذكاء الاصطناعي جاهزة لنا اليوم ويقود ذلك اللاعبون الكبار مثل قوقل (Google) وفيس بوك (Facebook) وأبل (Apple) وأمازون (Amazon)، ومنها تطبيق المساعد الصوتي سيري (SIRI) الذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي، بل إن قدرا كبيرا من التعاملات في الأسواق المالية الأمريكية لمديري الصناديق والوسطاء الكبار يتم عن طريق الآلات دون تدخل بشري مباشر، ويسمى ذلك تداول الخوارزميات أو التداول الآلي (Algorithmic trading)، الذي يكون من خلال أنظمة مبرمجة برياضيات معقدة تحسب المتغيرات التي تحدث في السوق، مثل حركة السهم وكميات العرض والطلب وغيرها، ومن ثم تعطي أوامر البيع والشراء في السوق وتلعب دور صانع السوق.

كما يبني عملاق البحث قوقل (Google) قاعدة بيانات ضخمة لتكون مخزنا للمعرفة (Knowledge Vault) دون مساعدة البشر، حيث تجمع هذه التقنية وتدمج المعلومات المنتشرة على شبكة الإنترنت بقاعدة بيانات واحدة، بحيث يكون كل من البشر والآلات قادرين على قراءتها، وسوف تكون مخازن المعرفة الضخمة الوقود الرئيس للواقع المعزز (Augmented Reality).

وفي الجانب العسكري سوف تكون الحروب في المستقبل دون تدخل بشري، أي جيوش تدخل الحروب دون الحاجة إلى اشتباك القوى البشرية، حيث سيقوم الروبوت الآلي والدبابات الروبوتية التي تعمل بالتحكم عن بعد بشن هجمات الحروب البرية التقليدية والالكترونية، كما سوف يتم السيطرة على المجال الفضائي المداري للدول واحتلاله، وسيتحول الفضاء إلى ساحة عسكرية من خلال قواعد عسكرية فضائية غير مأهولة، ستكون مسؤولة عن إطلاق الصواريخ بشكل عمودي من القاعدة الفضائية باتجاه الأرض، والعمليات القتالية والمعارك الجوية، وستصبح طائرات الدرون - المسيرة - الحربية مسيطرة على المجال الجوي.

جميع الأنظمة والقوانين والتشريعات والاتفاقيات وأخلاقيات العمل التي تنظم العلاقة بين جميع الأطراف التي تتكون من عناصر بشرية حاليا، تحتاج إلى إعادة التفكير في كيفية تطبيقها مستقبلا، عندما يكون أحد الأطراف ليس إنسانا، بل روبوتا آليا.

ما العمل؟

وكل هذا يدعونا إلى ضرورة تعديل اتجاه البوصلة من ناحية التخطيط الاستراتيجي، ومن الناحية التعليمية والاستثمارية، ليكون التركيز على علوم المستقبل إلى جانب بناء البيئة التشريعية لجذب الاستثمارات، حيث ستظهر لنا فرص استثمارية كثيرة في المستقبل غير معروفة حاليا في مجال إنترنت كل شيء، والذكاء الاصطناعي، وسيتولد عنها وظائف كثيرة مبتكرة لا نعلمها اليوم، وهذا يدفعنا للتساؤل عما يخبئ لنا المستقبل عندما نستبدل الإنسان بالآلة التي لا تعرف الإحساس الإنساني أو العاطفة، وماهية التكلفة التي ستقدمها البشرية مستقبلا مقابل كل ذلك؟

خلاصة القول: إن التسارع التقني الهائل في مجال الاتصالات والبيانات وإنترنت كل شيء والذكاء الاصطناعي، سوف يقود البشرية ويرسم مستقبلها، فإما أن نكون جزءا منه أو سنكون تابعين له.

mattiah8@