آلاء لبني

سلوكيات تدمر البيئة

السبت - 28 نوفمبر 2020

Sat - 28 Nov 2020

بعد صيف شديد الحرارة ننتظر تحسن الأجواء لنستمتع بالتنزه في المرافق العامة والرحلات البرية في الأماكن الطبيعية. للأسف إنه موسم تنشط فيه السلوكيات الخاطئة تجاه البيئة، فتزداد التجاوزات المقصودة وغير المقصودة.

مثلا لا يأبه البعض بالالتزام بالمحافظة على المكان كما كان، بتلويث المساحات المفتوحة ورمي النفايات المبعثرة أو حرقها، وشب النار وتركها مما قد يسبب في حرائق بمناطق ذات غطاء نباتي كثيف، فضلا عن الممارسات الخاطئة للرعي الجائر، فما إن يبدأ موسم الأمطار ونمو النباتات الحولية والمعمرة حتى يبدأ كثير من الرعاة في نشر ماشيتهم على كل أخضر!

إحراق الحطب له أضرار على البيئة والصحة بسبب استنشاق الهواء الملوث المتشبع بغاز أول أكسيد الكربون الذي يحل محل الأوكسجين، ويختلف التأثير على الصحة بين الأماكن المغلقة والمفتوحة ومدى القرب من النار ..إلخ، فالحذر واجب، لما لذلك من آثار صحية على الرئة والشعب الهوائية والحساسية ..إلخ.

تدمير الغطاء النباتي عن عمد أو عن قلة وعي بقطع الأشجار المحلية وحتى المعمرة منها! ظلم متعدي الأثر للأجيال القادمة. التقنيات الحديثة والمناشير الآلية وسيارات الدفع الرباعي ساهمت في انتشار الاحتطاب والتجارة بالموارد الطبيعية التي لا تعوض!

الحطب أو الفحم المحلي المنتشر والمركبات المحملة به وبأسعار تتفاوت حسب النوع ومدى القرب والبعد من محل الاحتطاب! أهمس لكم: بعض البائعين قد يغشون الحطب فيخلطون بين السمر والطلح والأثل ويباع على أنه سمر لأنه الأغلى والأجود رائحة!

للتوضيح قد يقول قائل إن الرسول عليه أفضل الصلاة والتسليم ذكر الاحتطاب لكف الحاجة والاستغناء عن السؤال، فنقول شتان بين ما يحدث وبين ما دعا له خير الأنام، فالاحتطاب والتقليم يحققان فائدة تتمثل في إزالة الأغصان الميتة فقط، فإزالتها تساعد على نمو الفروع الخضراء، أما قطع الأشجار بغض النظر عن قيمتها أو عمرها، فلا.

نحن لا نمتلك إنتاجا للمواد الخشبية! لسنا ضمن الدول الاستوائية! بل ضمن عروض مناخية تتصف بقلة الأمطار وفجائيتها وتذبذب كميتها!

بمعنى إن كان الكوكب يعاني من إزالة الغابات المطيرة أمام مزارع الكاكاو والبن والتوسع العمراني والتعديني، فنحن أشد تضررا لأن قيمة الأشجار الموجودة لا يسهل تعويضها! فلنكف الأيدي عن أشجارنا التي تحملت الجفاف.

لو لديك واحة في الصحراء وهي مصدر مائك هل ستذهب لطمرها! لا بل ستحافظ عليها لأنها الحياة،كذلك الشجرة هي حياة متكاملة ومنظومة من التوازن البيئي، منقية للهواء ومأوى للطيور والحيوانات والحشرات وتوفير الغذاء والمحافظة على التنوع الحيوي، وفقدها يؤثر على الموارد الوراثية، فضلا عن التأثير السلبي على السياحة الداخلية وجودة الحياة والترويح عن النفس.

المحافظة على الموجود من الأشجار أولى من غرس الشتلات، فليس هناك ما يماثل الامتداد الطبيعي النباتي، المسؤولية فردية وجماعية مشتركة تجاه بيئة الوطن.

الغطاء النباتي في بيئتنا يواجه تحديات من قلة الأمطار ودرجات الحرارة المتطرفة، مع هذا فهو يمتاز بمقاومة الجفاف، ولكن لن يستطيع مقاومة السلوكيات السلبية البشرية المفرطة في الاستنزاف! والعوائد الاقتصادية لبيع الحطب! روضات أزيلت بسبب التعود على عادات تضر الصحة والبيئة.

في الماضي كان يعتبر شب النار ضرورة للحياة، أما الآن فوسيلة للترفيه، لتوفر وسائل التدفئة والوقود ومصادر الطاقة في بلدنا النفطي.

هناك مناطق في العالم الفقير ما زالت تفتقد للنفط والغاز بأسعار متناولة للجميع، فيستخدمون الخشب للطبخ، وحتى أكياس البلاستيك للطبخ والتدفئة بها رغم ضررها المضاعف!

أما نحن فإن هذا الترفيه المستند على رائحة الاحتراق الزكية وتلويث الهواء وتقليص إنتاج الأوكسجين، وشراء الحطب المحلي فإنه يدمر الغطاء النباتي ويفاقم من تدهور الأراضي والتصحر وازدياد خطر السيول في المناطق الجرداء لتعرية التربة. وإن كان لا بد من استخدام الحطب فاستخدم المستورد منه، واهتم بصحتك والمكان ومدى البعد عن النار.

خلال السنوات الماضية شهدنا حراكا وتفاعلا مجتمعيا وزيادة في أعداد النشطاء البيئيين والشغف البيئي بدور المراقب والمُبلغ والمتطوع والمهتم، وذاك ما سيساهم حتما في انتقال العدوى لشرائح أكثر اتساعا، كما ازدادت مساحة المحميات لاستعادة التنوع الأحيائي وإحداث آثار سريعة المكاسب، واستحدث الأمن البيئي فأصبح جزءا لا يتجزأ من المنظومة الأمنية، ليكف أذى المخربين، والذي سيوسع من نشاطه ليمتد إلى كل المناطق.

وقد قادت المملكة في قمة العشرين إطلاق مبادرات عالمية لدعم مواجهة التحديات البيئية في عدد من المجالات للحد من تدهور الأراضي وتعزيز الحفاظ على الموائل الطبيعية. لا نتمسك بعادات تضر بيئة وطننا، نحن بحاجة ماسة لتطوير السلوك والإدراك الإيجابيين.

الطريق البيئي ما زال طويلا، وكل خطوة وجهد تطوعي أو مؤسسي تحدث فرقا، وتحتاج مزيدا من الشراكة بين الأفراد والمؤسسات والقطاعات المختلفة، للحد من التلوث والتصحر، لنصل إلى ريادة بيئية كما نحن رواد في القطاع النفطي.

@AlaLabani_1