شاهر النهاري

الرأي الفلسطيني من عمق تل أبيب

الاثنين - 23 نوفمبر 2020

Mon - 23 Nov 2020

بعد مقالي «المتوقع من القيادات الفلسطينية»، الذي وضحت فيه وجهات نظر فئات من المثقفين العرب حيال مسألة التطبيع والسلام بين إسرائيل والدول العربية، وردني اتصال من صديق من أسرة لم تغادر فلسطين منذ بداية تكوين دولة إسرائيل.

كان قد اطلع على مقالي في فيس بوك، وعتب علي لأني لم أذكر فيه رأي العرب ممن يسكنون عمق إسرائيل.

وبعد أن أثنى على المقال أوضح رأيه:

«دعنا من التبريرات العقيمة للهروب من مواجهة الحقائق، وفشلنا العظيم كعرب، وبودي أن نضع يوما أصبعنا على الجرح لمعالجته دون رمي التهم على أعراضه ومسبباته.

المخيمات الفلسطينية لم تعد موجودة، بتحول ساكنيها لأهم المحركين في الاقتصاد العربي، والقضية لم تعد إلا طريقة للتحايل والتسول باسم الشعب الفلسطيني في القطاع وغزة، المنهك المشتت بواقع الفقر والاحتلال والانقسامات الداخلية القاتلة.

الفلسطينيون مثل أي شعب يحتاج للهدوء والسلام والأمل في حياة كريمة.

تأكد يا شاهر أن الفلسطيني في الداخل الإسرائيلي يتمنى أن تحكمه إسرائيل، لا أن تتولاه القيادات العربية المريضة المشتتة الفاسدة البعيدة عن مصلحته، ولا تعجب، فمن يعيش في إسرائيل يتمتع بإنسانيته وحقوقه الوطنية، ويمتلك راتبه بالكامل، ولا تنقطع عنه كهرباء، ولا يسكن في خرابات، ويُعتبر ترسا ضمن ماكينة شعب ديمقراطي ينال حقه من التعليم والصحة والخدمات والتصويت على من يحكمه، والشوارع فسيحة نظامية، والحدائق والمتنزهات والشواطئ متاحة لنا، وكم أتمنى أن تروا بأعينكم الرفاهية والأمان والحياة الكريمة، وضمان مستقبل أبنائنا، وتبا للسياسة وما تنتجه عند العرب من فرق إرهابية مذهبية، وثورات ودمار ودموية، وتهجير قسري كما حدث في سوريا والعراق وليبيا واليمن.

يا سيدي، في إسرائيل لن تجد متسولا في الشوارع، ومن يلتزم النظام ينال كل ما يشتهي، والعقل يقول إن السلام ضرورة فوق جغرافية لا يمكن نقلها من جوار بعضها.

سلام لعلاقات اقتصادية وتنموية، ولمجرد التعرف على ثقافة الطرف الآخر، ولن تتصور مدى فرح الإسرائيليين حاليا بهذا السلام مع دول الخليج، وإعلام إسرائيل لا يتوقف عن الحديث عن ذلك، وكأنه اكتشاف العصر بالنسبة لهم، وكيف أن المجتمعات الإسرائيلية قد غيرت رأيها بالكامل، فلم يعد الخليجي ذلك البدوي العنيف، الذي نراه في الأفلام، بل إنه يحمل إرثه الغني من الحضارات، والثقافة، وطموحه ونتاجه من التقدم والتطوير بما يعكس الحال، وهذا يشد الإسرائيلي ويسعده كون جاره بمثل هذا الرقي، فيتمنى زيارة أرضه والتخالط معه.

ثم أكمل بحسرة: أتمنى أن يعم السلام في الشرق الأوسط، وأن تزوروا إسرائيل، وتطلعوا على ما عندهم من رؤية عجيبة وحضارة وثقافة وتقدم صناعي وتقني، وأن يعم السلام علينا جميعا، فماذا أخذنا من الحروب والمقاطعة؟».

ينتهي كلامه ولا تنتهي علامات التعجب في داخلي، ولعل هذا يحدث نتيجة بعدنا عن عرب الثمانية والأربعين، ممن حوصروا داخل إسرائيل، ولم يعودوا يتواصلون مع العرب إلا في أضيق الحدود، وخارج حدود الوطن العربي.

ثم أطلق نصيحته لقيادات فلسطين، بأن تنظر للأمر بنزاهة وعقلانية، وأن تعود عن طمع الدنيا وشتاتها، وأن تصدق، وتحاول التضحية من أجل الشعب الفلسطيني المنكوب، الذي يموت كل يوم وهو مخنوق بالحصار الإسرائيلي، أو بشتات الهجرة، وقراره مختطف من قياداته.

shaheralnahari@