وجه العالم يتغير والتاريخ يسجل
الأحد - 22 نوفمبر 2020
Sun - 22 Nov 2020
ثمة خيط رفيع في التاريخ يفصل بين المؤامرة والمصادفة، هذا الخيط يصفه المؤرخون بمكر التاريخ. ومكر التاريخ هو مصطلح يصف الوجه الآخر للأحداث، أو البعد الماورائي للطبيعة، حيث يضيف هذا البعد كلمة «لو» قبل كل نقاش، فاتحا باب الشياطين كلها بصيغة تساؤليه، مثلا: لو أن جائحة فيروس الكورونا لم تقع في سنة الانتخابات الأمريكية، هل كان سيعاد انتخاب الرئيس ترمب؟ ولو لم تطور التكنولوجيا وسائل التواصل الاجتماعي، هل كان من الممكن في زمن فيروس كورونا إقفال المدارس والعمل عن بعد؟
لعل أكثر من عبر عن مكر التاريخ بطرح فلسفي عميق هو الباحث الفرنسي بليز باسكال، فقد طور نظرية «لو» من خلال السؤال التالي: هل لو كان أنف كليوباترا أقصر طولا لتغير وجه العالم كله؟
يفترض أن كليوباترا كانت أنثى فائقة الجمال، وتأثيرها على الرجال جعل منها أسطورة بجانب مسيرتها في حكم مصر في القرن الأول للميلاد، قصتها تعود إلى عهد الدولة البطلمية التي أنشأها بطليومس، أحد قادة الإسكندر الأكبر المقدوني باني مدينة الإسكندرية.
رافق الضعف البادي في الدولة البطلمية صعودا لحاكم روما الجديد يوليوس قيصر. وتحكي السيرة أن يوليوس قيصر وصل مصر مطاردا عدوه اللدود بومبي الذي اتخذ ملجأ عند أصدقائه الفراعنة، التقى قيصر بكليوباترا التي أوقعته في حبها على الفور لينصبها حاكمة على مصر بعد تنحية زوجها بطليموس الثالث عشر، بعدها وبحسب الروايات ترك قيصر مصر متجها إلى آسيا الصغرى مقاتلا، ليصل إلى روما ملاقيا حتفه على يد بروتس. ومنها المقولة الشهيرة «حتى أنت يا بروتس» فقد غدر به رفيقه تحت قبة البرلمان. وقيل أيضا إن بروتس ابن قيصر غير الشرعي مما يضيف إلى نظرية المؤامرة في التاريخ. المهم تسلم نائب قيصر مارك أنطونيو الزعامة ووجد في كليوباترا حبه الجديد، مما أدى إلى دخول الإمبراطورية الرومانية والدولة المصرية في حرب عالمية أدت إلى سقوط كليوباترا وحبيبها في السياسة وصفحات التاريخ.
ما قصده العالم الفرنسي أن حاكمة مصر كليوباترا، لم تكن لتغوي حاكم روما يوليوس قيصر وبعده مارك أنطونيو لولا أنفها البارز والطويل، فالأنف البارز يعد من علامات الجمال، ويدل على قوة الشخصية والجاذبية.
بالطبع نظرية باسكال خضعت ولا تزال لسجال مستمر، فالدولة المصرية سقطت في القرن الخامس للميلاد، بينما كليوباترا عاصرت القرن الأول للميلاد، إلا أن أنف كليوباترا لو لم يكن بهذا الجمال لما توالت الأحداث كما سجلت في التاريخ اليوم على حد وصف باسكال.
لم تكن كليوباترا المرأة الوحيدة التي ألهمت في صياغة فلسفة عن التاريخ ومكره، ولربما لا مبالغة في القول إن التاريخ الإنساني في سيرته مجموعة أحداث بين مؤامرات ومصادفات تبحث عن القوة والجمال والثروة، بل إن الصراع بين روما والإسكندرية قديما لم يكن منعزلا عما تلاه من صراعات في العصر الحديث وفي قلب الحداثة الأوروبية النابض: باريس.
من المفارقات أن إمبراطور فرنسا نابليون أقام علاقة مع الممثلة الباريسية الشهيرة مدموزيل جورج. وقد عرف عنها الجمال الخلاب والساحر، إلا أن رياح الحرب لم تأت بما اشتهاه قلب نابليون، فبعد الهزيمة العسكرية لنابليون في معركة واترلو استطاعت مدموزيل جورج إثارة انتباه قائد المعركة المفصلية في تاريخ أوروبا الدوق الإنجليزي ولنجتون، وحين سئلت مدموزيل جورج عن تجربتها مع الرجلين سجل التاريخ كلمتها الصاخبة «لقد ظهر لي أن الأكفأ في الحب هو نفسه الأكفأ في الحرب».
غير أن رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارجرين ثاتشر كان لها نصيب من قصص الغواية والمكر، فهي المرأة الحديدية التي استطاعت أن تغوي محيطها السياسي وحتى حدود الإليزيه في مدينة باريس حيث يسكن رئيس جمهورية فرنسا، وهو ما صرح به الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران في مذكراته، من أن ثاتشر لديها شيء مغر يصعب تجاهله حتى وهي تصرخ بأعلى صوتها في أي مناقشة سياسية. مستطردا «إن شفتي مارجريت مثل شفتي مارلين مونرو، معبأتان بالإثارة، لكن أعينها مثل أعين الإمبراطور الروماني كليغولا الذي يطلق منهما الشرر!».
عجيب أمر التاريخ! مكره لا يبحث عن الاستئذان، يدخل حياتنا من دون إحم ولا دستور، يتسرب إلى كل تحليل وكل تعليق، ومن دون مقدمات يعلن وجوده، مثبتا حقه الشرعي في وراثة المستقبل. أمامه يختار البعض منا إخضاع التاريخ إلى المنطق، ويرتاح البعض الآخر إلى إسقاطه في عالم الغيب، ذلك أن للتاريخ قوة تعمل بأدوات لا سيطرة للأمم أو الأفراد عليها، وهو ما يجعل مقولة «التاريخ يعيد نفسه» حاضرة في كل نقاش، عندها يبحث كل منا عن حدث تاريخي يناسب أطروحته التحليلية، فنقع في فخ مكر التاريخ مرة أخرى.
لعل أكثر من عبر عن مكر التاريخ بطرح فلسفي عميق هو الباحث الفرنسي بليز باسكال، فقد طور نظرية «لو» من خلال السؤال التالي: هل لو كان أنف كليوباترا أقصر طولا لتغير وجه العالم كله؟
يفترض أن كليوباترا كانت أنثى فائقة الجمال، وتأثيرها على الرجال جعل منها أسطورة بجانب مسيرتها في حكم مصر في القرن الأول للميلاد، قصتها تعود إلى عهد الدولة البطلمية التي أنشأها بطليومس، أحد قادة الإسكندر الأكبر المقدوني باني مدينة الإسكندرية.
رافق الضعف البادي في الدولة البطلمية صعودا لحاكم روما الجديد يوليوس قيصر. وتحكي السيرة أن يوليوس قيصر وصل مصر مطاردا عدوه اللدود بومبي الذي اتخذ ملجأ عند أصدقائه الفراعنة، التقى قيصر بكليوباترا التي أوقعته في حبها على الفور لينصبها حاكمة على مصر بعد تنحية زوجها بطليموس الثالث عشر، بعدها وبحسب الروايات ترك قيصر مصر متجها إلى آسيا الصغرى مقاتلا، ليصل إلى روما ملاقيا حتفه على يد بروتس. ومنها المقولة الشهيرة «حتى أنت يا بروتس» فقد غدر به رفيقه تحت قبة البرلمان. وقيل أيضا إن بروتس ابن قيصر غير الشرعي مما يضيف إلى نظرية المؤامرة في التاريخ. المهم تسلم نائب قيصر مارك أنطونيو الزعامة ووجد في كليوباترا حبه الجديد، مما أدى إلى دخول الإمبراطورية الرومانية والدولة المصرية في حرب عالمية أدت إلى سقوط كليوباترا وحبيبها في السياسة وصفحات التاريخ.
ما قصده العالم الفرنسي أن حاكمة مصر كليوباترا، لم تكن لتغوي حاكم روما يوليوس قيصر وبعده مارك أنطونيو لولا أنفها البارز والطويل، فالأنف البارز يعد من علامات الجمال، ويدل على قوة الشخصية والجاذبية.
بالطبع نظرية باسكال خضعت ولا تزال لسجال مستمر، فالدولة المصرية سقطت في القرن الخامس للميلاد، بينما كليوباترا عاصرت القرن الأول للميلاد، إلا أن أنف كليوباترا لو لم يكن بهذا الجمال لما توالت الأحداث كما سجلت في التاريخ اليوم على حد وصف باسكال.
لم تكن كليوباترا المرأة الوحيدة التي ألهمت في صياغة فلسفة عن التاريخ ومكره، ولربما لا مبالغة في القول إن التاريخ الإنساني في سيرته مجموعة أحداث بين مؤامرات ومصادفات تبحث عن القوة والجمال والثروة، بل إن الصراع بين روما والإسكندرية قديما لم يكن منعزلا عما تلاه من صراعات في العصر الحديث وفي قلب الحداثة الأوروبية النابض: باريس.
من المفارقات أن إمبراطور فرنسا نابليون أقام علاقة مع الممثلة الباريسية الشهيرة مدموزيل جورج. وقد عرف عنها الجمال الخلاب والساحر، إلا أن رياح الحرب لم تأت بما اشتهاه قلب نابليون، فبعد الهزيمة العسكرية لنابليون في معركة واترلو استطاعت مدموزيل جورج إثارة انتباه قائد المعركة المفصلية في تاريخ أوروبا الدوق الإنجليزي ولنجتون، وحين سئلت مدموزيل جورج عن تجربتها مع الرجلين سجل التاريخ كلمتها الصاخبة «لقد ظهر لي أن الأكفأ في الحب هو نفسه الأكفأ في الحرب».
غير أن رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارجرين ثاتشر كان لها نصيب من قصص الغواية والمكر، فهي المرأة الحديدية التي استطاعت أن تغوي محيطها السياسي وحتى حدود الإليزيه في مدينة باريس حيث يسكن رئيس جمهورية فرنسا، وهو ما صرح به الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران في مذكراته، من أن ثاتشر لديها شيء مغر يصعب تجاهله حتى وهي تصرخ بأعلى صوتها في أي مناقشة سياسية. مستطردا «إن شفتي مارجريت مثل شفتي مارلين مونرو، معبأتان بالإثارة، لكن أعينها مثل أعين الإمبراطور الروماني كليغولا الذي يطلق منهما الشرر!».
عجيب أمر التاريخ! مكره لا يبحث عن الاستئذان، يدخل حياتنا من دون إحم ولا دستور، يتسرب إلى كل تحليل وكل تعليق، ومن دون مقدمات يعلن وجوده، مثبتا حقه الشرعي في وراثة المستقبل. أمامه يختار البعض منا إخضاع التاريخ إلى المنطق، ويرتاح البعض الآخر إلى إسقاطه في عالم الغيب، ذلك أن للتاريخ قوة تعمل بأدوات لا سيطرة للأمم أو الأفراد عليها، وهو ما يجعل مقولة «التاريخ يعيد نفسه» حاضرة في كل نقاش، عندها يبحث كل منا عن حدث تاريخي يناسب أطروحته التحليلية، فنقع في فخ مكر التاريخ مرة أخرى.