شاكر أبوطالب

السعودية ترأس مجلس إدارة العالم

الجمعة - 20 نوفمبر 2020

Fri - 20 Nov 2020

منذ الأول من ديسمبر الماضي، ورغم القيود التي فرضتها جائحة كورونا على التنقل والسفر بين الدول، استضافت المملكة العربية السعودية أكثر من 100 اجتماع ومؤتمر، معظمها عن بعد عبر الاتصال المرئي، وشملت اجتماعات وزارية وأخرى لمسؤولين رسميين وممثلي مجموعات التواصل، لإعداد البيان الختامي والتوافقي بين قادة مجموعة العشرين، الذي سيعلن بعد انعقاد القمة يومي 21 و22 نوفمبر الجاري، برئاسة الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود.

ولا شك أن رئاسة المملكة واستضافتها لقمة مجموعة العشرين (G20) تمثل حدثا تاريخيا في ظروف استثنائية غير مسبوقة، وتبعث مشاعر الفخر والاعتزاز لكل الشعب السعودي، وتجسد ريادة السعودية ومكانتها المرموقة في قائمة الدول العشرين الأكثر تأثيرا في الاقتصاد والعالم، وتتوج المسيرة السعودية المميزة والأدوار الرائدة التي ساهمت بها في دعم التوازن الاقتصادي والتنمية المستدامة والاستقرار العالمي والتعايش والسلم بين دول العالم.

وتشكل استضافة الرياض للقمة الافتراضية لقادة دول مجموعة العشرين فرصة مهمة جدا لإلهام العالم بالقيم السعودية، وإطلاع أهم مجموعة عمل دولية في العالم على التحولات النوعية التي حققتها المملكة، وفق رؤيتها المستقبلية لعام 2030م، التي تنسجم برامجها ومبادراتها مع أغلب توجهات مجموعة العشرين وأهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة.

إن بلوغ المملكة مرتبة متقدمة بين دول العالم، والدولة العربية الوحيدة في مجموعة العشرين، منجز فريد تحقق بفضل الله، ثم بقيادة حكيمة من لدن خادم الحرمين الشريفين، وإدارة مميزة من لدن ولي عهده الأمين، للارتقاء بالمملكة وشعبها واقتصادها إلى نخبة الدول المتقدمة ومنافستهم في عديد من المجالات الحيوية.

وبوصفها قائدة مجموعة العشرين في الدورة الحالية، تصدت المملكة لمسؤوليتها في تنسيق الجهود العالمية لمواجهة الوباء المتفشي في دول العالم، ونجحت في عقد القمة الاستثنائية الافتراضية لقادة المجموعة في مارس الماضي، والخروج برؤية موحدة متفق عليها للحد من تأثيرات الجائحة على الإنسان والاقتصاد والتجارة والاستثمار في العالم، ومعالجة أوجه الضعف التي أظهرتها الجائحة، وخدمة المجتمعات البشرية لاستعادة الحياة الطبيعية، ودعم الاقتصاد العالمي للتعافي ومواصلة النمو.

وأثمرت القمة الاستثنائية اتفاق قادة دول مجموعة العشرين على حماية الأرواح، والمحافظة على وظائف الأفراد ومداخيلهم، واستعادة الثقة، وحفظ الاستقرار المالي، وإنعاش النمو ودعم وتيرة التعافي القوي، وتقليل الاضطرابات التي تواجه التجارة وسلاسل الإمداد العالمية، وتقديم المساعدة لجميع الدول التي بحاجة للمساندة، وتنسيق الإجراءات المتعلقة بالصحة العامة والتدابير المالية.

حرصت المملكة خلال استضافتها لمجموعة العشرين على اغتنام فرص القرن الحادي والعشرين للجميع، عبر تمكين الشعوب من العيش الكريم والعمل والازدهار، وحماية كوكب الأرض، وتسخير الابتكارات لتشكيل آفاق جديدة لمشاركة منافع الابتكار والتقدم التقني.

ونالت «مبادرة الرياض» إجماع وتأييد دول مجموعة العشرين، لدعم إصلاحات تطوير منظمة التجارة العالمية، وتكثيف الجهود لتحفيز التجارة والاستثمار في العالم، وإقرار مزيد من المرونة في سلاسل الإمداد، إلى جانب زيادة القدرة التنافسية للمنشآت متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، وتحسين قدرتها على الاتصال والمنافسة والتكيف في مواجهة التقنيات الناشئة والصدمات الخارجية، لتقليل الضرر الاقتصادي والاجتماعي للجائحة، واستعادة النمو العالمي، والمحافظة على استقرار الأسواق، وتعزيز قدرتها على مواجهة المتغيرات الطارئة.

إن مجموعة العشرين أشبه ما تكون بمجلس إدارة العالم، تأسست في 2008م، بتوصية من مجموعة الدول السبع، على خلفية الأزمة المالية العالمية التي حدثت في العام نفسه، وفرضت ضرورة توسيع دائرة صناعة القرار بضم مزيد من الدول المؤثرة في الاقتصاد العالمي، لمواجهة التحديات التي تواجه البشرية وتحد من النمو الاقتصادي.

وتكتسب القمة الخامسة عشرة لقادة الدول العشرين في الرياض أهمية بالغة توازي قيمة أول قمة انعقدت للمجموعة، التي استضافتها الولايات المتحدة الأمريكية على خلفية الأزمة المالية العالمية. ففي الدورة الحالية التي ترأسها المملكة، فرضت جائحة كورونا تحديات جديدة تضاف للتحديات السابقة التي نوقشت في الدورات الأربع عشرة الماضية، فزادت التعقيدات التي يواجهها نمو الاقتصاد العالمي.

ولأن الأزمة المالية العالمية التي حدثت قبل 12 عاما، دفعت قادة مجموعة العشرين لتبني عديد من القرارات اللازمة لتحسين النمو الاقتصادي العالمي، فإن جائحة كورونا تسببت في حدوث أزمة مزدوجة على الصعيدين الصحي والاقتصادي، وزادت من حجم مسؤوليات الدول العشرين تجاه العالم والمجتمعات والأعمال، وبالتالي تنتظر البشرية من قادة دول المجموعة الخروج بجملة من القرارات التاريخية للحد من الآثار الاقتصادية بسبب الجائحة، وكذلك إقرار خطط عملية لاستعادة النمو الاقتصادي العالمي، وتكثيف الاستثمار في النماذج المستحدثة للأعمال، وتسريع تطبيق التحول الرقمي وتعميمه في مختلف المجالات، خاصة التعليم وبيئات العمل والسفر والسياحة والترفيه وغيرها.

ولن تتوقف جهود المملكة مع نهاية القمة الافتراضية لقادة دول مجموعة العشرين، بل ستواصل الجهد والعمل والبناء على الإرث الحضاري المتحقق اليوم، وستستمر في تزويد العالم بقيمها الملهمة ورؤيتها التنموية ومبادراتها المستدامة، للوفاء بمسؤولياتها العالمية تجاه البشرية.

shakerabutaleb@