عبدالله الزرقي

داهن فيكس!

الأربعاء - 18 نوفمبر 2020

Wed - 18 Nov 2020

ليس من محبي الكرة والمتشنجين لها رغم أنه من عشاق الموسيقى والطرب والسلطنة. كافح مثله مثل غيره لكي يحصد الشهادات والخبرات المهنية والعملية ودورات هنا وهناك ومذاكرة وشهادات إضافية من أمريكا وبريطانيا، وزمالات وسهر وسجاير وأكواب شاي وغلق أبواب غرف وحرمان سهر جميل مع العائلة، حتى يتمكن من الحصول على وظيفة مرموقة، وبعد معاناة وجهد جهيد عمل في شركة مندوب مبيعات ثم ارتقى وكافح ووصل بعد خمسة وعشرين عاما وهو عام التقاعد المبكر ومرتبه لم يصل إلى العشرين ألف ريال، وما زال يدفع أقساط قيمة الأرض لبيت العمر الذي لم ترَ أساساته النور.

تقاعد وقد التهم من جسده داء السكري والضغط ولم يكمل الستين.

جلس على طاولته يحتسي القهوة مغطيا قدميه اللتين تورمتا بالدوالي من كثرة الوقوف والجلوس والمشاوير التي كان يمشيها في المواقع وتحت الشمس الحارقة. تصبغات جلده تشهد على تلك الشموس وذلك الصيف اللاهب، والهالات السوداء تحت عينيه لا يخفيها إلا انعكاس نظارته الكعب كباية.

انهمك في قراءته اليومية ليصعق بخبر المفاوضات للاعب كرة في سن أبنائه تجاوزت العشرين مليون ريال. قلب صفحات صحيفته فوجد خبرا آخر أكثر إيلاما، عن حفلة لشاب بلغ سعر تذكرته العشرة آلاف ريال للصفوف الأولى ودخل الحفل يتجاوز المليون ريال لليلة واحدة.

نظر لزوجته وعيناه تغرورقان بالدمع مع تنهيدة كادت أن تفزر قفصه الصدري، ومر شريط حياته أمام عينيه كشريط القنوات الإخبارية أسفل الشاشة وهو يردد ويقول لزوجته «ليتني استخدمت قدمي في قذف الكرة بدلا من المواقع والمشاريع المليارية التي لم أنل منها غير التعب، أو لو كنت مطربا يسعد نفسه والآخرين وأنا بكامل أناقتي ولي حظوة في المجتمع».

تحسف على كل العلم الذي بذل فيه جهده وهو الآن في سن التقاعد. تبخرت أمنياته وتبخر طموحه ليكتشف أنه لو كان لاعب كرة أو مغنيا قال: يا ليل يا عين، لامتلأت أرصدته بالملايين، و لاختصر ردحا من الزمن ولم يتقاعد أبدا وهو على هذه الحال.

قالها بحزن وصمت، وابتلع كومة منوعة من حبوب الضغط والسكر وأغلق جهازه، ونام بعد أن دهن رجليه المتشققتين بالفيكس.