شاهر النهاري

الضيف القادم وحسن الضيافة

الثلاثاء - 17 نوفمبر 2020

Tue - 17 Nov 2020

يختلف الفكر أو يتفق على كيفية وصول الرئيس الأمريكي المنتخب جون بايدن إلى الرئاسة للأربعة أعوام القادمة، ولكن الحقيقة أنه وصل، وأنه سيصبح الضيف الأهم، الذي يدخل بيوت كل دول العالم إما بنفسه أو بدبلوماسيته أو اقتصاده أو تأثيراته، أو بجحافل نسوره وأساطيله.

دول العالم كلها تفكر وتتحضر لهذا الضيف، وتتمنى أن تكون سباقة في تهنئته، والإحاطة بتاريخه وأفكاره ومعاونيه ومن يثق بهم ومن يخططون له، ومن سيكونون بطانته السياسية.

دول العالم قاطبة ستبدع في لفت نظره، والبشاشة في وجهه واحتضانه، ودعوته ليحل أهلا وسهلا في سياستهم ويتعمق، ويوازن ضمن حدود سياسة تنفعهم، وتعيد ترتيب مسارات سياساتهم مع دولته ومع الدول العظمى، وبقية الدول.

هذا أهم الضيوف دون نقاش، والكل يعرف قدره، وقيمة رضاه أو سخطه وفقا لما يقدم له من ضيافة، وتقول العرب: تذكر دائما أن الضيف يرى في ساعة ما يراه المضيف في عام. وقيل: أكرم نزيلك واحذر من غوائله فليس خلّك عند الشر مأمونا.

ضيافة قد يكون بعضها مجرد إشارات عن بعد، وتقاطر وفود، وبدء علاقات تتماشى مع طبيعته وتوجهه، وحسب تاريخه الدبلوماسي وسياسة من يقفون خلفه وبجانبه.

من كان غاضبا من الضيف الأسبق، لا بد أن يتعلم كيف يذكر المحاسن وينسى ويمحو، ولا بد من كياسة ومرونة وذكاء، وضيافة مميزة ينتهجونها مع القادم، ومن كان راضيا عن الضيف القديم، فلا إفراط ولا تفريط، وعليهم تحاشي المقارنات، وتأجيج المشاعر بشخصنة الدبلوماسية، مع البعد عن الكبرياء، أو إشعال قبس التعنت والعداء.

البعض سيستعرض أمام الضيف عمق تراثه تاريخه وثقافته ومصداقيته، والبعض سيقدم الهدايا، والبعض قد يبالغ من ترف الضيافة وعدد الذبائح والولائم، ليملأ عينا يجهل عمق قعرها، ويرش البياض، ويزرع سنابل السلام والتعاون ويؤسس لعلاقات أمتن.

البعض لن ينتظر حتى يحل الضيف عنده، وربما يسير القوافل، بهدايا وضيافة تثبت حسن النية، وتوضح لهفة الإخاء، وفرحة الثقة، وتدعوه مخلصة بالاطلاع على فجوات ونقاط صلابة الماضي أو ليونته، وأن يعاهده ويكتب معه صفحة بياض، تتماشى مع ظروفه، أو تبدي مظلوميته.

الضيف القادم يستحق الحظوة، وبطانته الجديدة تستحق الاستمالة، سواء من المندوبين أو الدبلوماسيين في مضاربه، أو عبر جماعة ضغط، تعرف كيف تثبط الشر، وتجاري الإعلام، وتحفظ السلام، وتواكب المستقبل، وتعزز الامتزاج وحفظ المصالح.

ليس الدول الصغيرة فحسب، أو دول مناطق الفوضى، ولا مناطق السيطرة على الاقتصاد العالمي، ولكن حتى الدول العظمى والأحلاف، والمنظمات العالمية، ومسيرو الاتفاقات الدولية، سيسعون لخلق أجواء التفاهم والتعاون المشترك، والتقارب مع الضيف، وفي حدود ما تتمكن ضيافتهم من فعله وتثبيته، ونكران ليّ المعاصم.

ما هذا القدر الذي يحل على جميع دول العالم، المتقدم منها، حتى البالغ درجة المآسي الإنسانية، متأملة الكثير من الضيف، ومرتعبة من الإهمال أو تعميق الحال الرمادي أو المزري، أو الصمت الرهيب، وترحيل همومها لانتخاب ضيف جديد بعد فترة أو فترتين.

قدر عالمي ملزم، فالضيف قادر على خلط الأوراق الدولية العالمية، وعلى رفع حواجب فوق جباه، وقد يعوّم بعض القضايا العالمية، فلا يبت فيها مطلقا، وهو ينتظر مصالح ما فتئ يرومها.

shaheralnahari@