دلال العريفي

غير قابل للتفاوض

الاحد - 15 نوفمبر 2020

Sun - 15 Nov 2020

مع إدراكنا التام بأن التفاوض مهارة أساسية لا يستغني عنها أفضل القادة، إلا أن ثمة أمورا غير قابلة للتفاوض في مراكز القيادة.

ففي معظم الأحيان يكون هناك حد لكل شيء، حد لا يقبل أن يمس أو يتفاوض بشأنه، بل قد يعتبر التجادل والنقاش فيه ناقوس خطر ربما يودي بعمر أكثر من عنصر مهم في المؤسسة. وتأتي القيم أهم وأثمن ما تملكه أي منظمة، حيث تشكل بها ثقافتها ومنطلقاتها، وسمعتها المؤسسية.

هناك فكرة تقول إنه ليس على القائد أن يجسد «القيم» في مؤسسته، بل عليه أن يفرضها! وهذه الفكرة لا تحمل أي عنف حتى وإن تضمنت عملية «فرض» شيء داخل الإطار التنظيمي، لكنها تذكر وبأسلوب حازم ربما أن فكرة فرض القيم ضرورية وأساسية لأي منظمة، وأن فرضها لن يكون إلا حماية لها ولأفرادها، فالقيم هي الأركان التي تقوم عليها كل مؤسسة، ويعتمد عليها كل ما تقدمه المؤسسة وتتمثل به، وبسبب وجودها تتشكل السمعة المؤسسية لها في المجتمع.

لا أظن أني أبالغ إن تحدثت وأكثرت عن منظومة القيم في مؤسسات الأعمال، وربما يتفق ملايين الموظفين في العالم على أن القيم هي أهم ما تقوم عليه حياة المؤسسات، وترتبط بها الحياة الوظيفية للعاملين فيها، لذلك من المهم جدا أن يبني القائد ثقافة تنظيمية إيجابية، يؤسس لها من خلال قيم تنعكس في كل سياسات وممارسات القائد، وتترسخ في أركان قيادته، ويقتبس جميع العاملين معه من نورها. ومن أجل هذا الاقتباس أذكر بالفكرة السابقة بأن القيم لا بد أن تفرض ويمنع المساس بها.

يتأكد لي دائما أن الإنسان مجموعة من القيم التي تنشأ وتنمو معه، وهذه القيم هي التي تصفه ويصفه الآخرون بناء عليها، وقد يحدث أن تهتز قيم الإنسان أو تتشوه وفقا لتجاربه ومنعطفات حياته، وربما ينسلخ هو من قيمه أو يسعى لتقمص أخرى، فيصبح كائنا هشا لا يمكنه الاستناد عليها عند حاجته إليها، وقد لا يستطيع أحد الاستناد عليه بعد ذلك.

والمؤسسات مثلها في ذلك مثل الإنسان، لا بد أن تكون لديها منظومة قيم إيجابية قوية، ترسخ من خلالها المفاهيم العميقة والحقيقية للنزاهة والمصداقية والثقة والعدالة وغيرها، ومثل هذه القيم بمضامينها الثقيلة ليس من الحكمة أن تكون قضية قابلة للتفاوض أو النقاش والمساومة، ولا ينبغي للقائد أن يستجيب لما قد يخلخل منظومة تلك القيم، لأن السماح بذلك هو سماح بالتغيير الجذري نحو الأسوأ.

لماذا القيم؟

القيم وحدها تدعم المؤسسة أوقات التغيير وزمن الأزمات، والقيم وحدها توحد الأفراد عبر نسيجها الذي يشبه رابطة الانتماء التي تربط بين الموظفين وقياداتهم، وتضمن ولاءهم لمؤسساتهم حتى في أقسى ظروف العمل، كما أنها تشكل مرجعا أخلاقيا للجميع.

والأكيد أن تهاوي تلك القيم سيكون الإنذار الأخير لبقاء المؤسسة واستمرار من فيها، ولا يمكن للمؤسسة أن تستبقي أفرادها وهي تتخلى عن قيمها وسمعتها المؤسسية في الوقت نفسه.

والأمر المهم ذكره هنا أن القيم التنظيمية يجب ألا تكون مجرد كلمات يستعرض بها المسؤول، ولا ينبغي أن تتحول إلى شعارات تتباهى بها المؤسسة وتزين بها جدرانها دون تطبيق لمعانيها العميقة، والأكيد أن فلسفة العمل لكل مؤسسة يجب أن تعبر بلغة واضحة عن قيمها التنظيمية، وحروفها لا ينبغي التهاون فيها أو السماح باختراقها. وإن لزم الأمر ينقش فوقها «غير قابل للتفاوض».

@darifi_