محمد الأحمدي

الطفل الخفي داخلك كنز الإبداع

الاثنين - 09 نوفمبر 2020

Mon - 09 Nov 2020

قرر قلمي أن يغير نمطه اليوم من الكتابة، ليغوص في أعماق التحفيز والتفاؤل الجميل، وحسن الظن فيما يحمله المستقبل. وها هو يلقي بظلاله على فكرة تدعم الموهبة، وتنمي الميول، وتسهم في تحقيق الأهداف والتطلعات، فالشغف الذي ينمو منذ الطفولة، إن حملته بالآلام يوما بعد يوم، وشحنته بسوء الظن، وبقلة الثقة فيما تقدم، حتما ستتألم، وسيزداد النفور من مهمتك الوظيفية، وتعطي للاحتراق الوظيفي فرصته في التمكن من روحك.

الهدية الثمينة التي تمتلكها في هذه الحياة هي استثمار الوقت لتحقيق شغفك الدائم، فالسر الآن بات واضحا، اكتشف روح الطفل الموهوب داخلك فحسب، وتعلم من تصرفاته لتقودك نحو التخلص من متاعب الحياة اليومية. فروح الطفل الجميلة التي داخلك ستجعلك تتحرر من ردة الفعل المبالغة تجاه الآخرين أيّا كانوا، سواء المعارضين لأفكارك وأطروحاتك، وأحيانا الناقمين من تميزك، أو حتى الساعين للوصول إليك من خلال النقد، أو غير المدركين لقدراتك. فإذا أدركت ذلك، فستصفح عن المخطئ، وتعفو عن المعتدي، وتتجاهل المواجهة التي لا تهدف لتحقيق الهدف، التي تستقبلك في اللقاءات الودية، أو طابور الانتظار أمام المتجر، أو في المطعم حينما تتوقف لتناول وجبة الغداء، ولا تستغرب حينما أقول لك: حتى في المسجد الذي تلتقي فيه بأطياف المصلين.

لكن إياك أن ترتكب الحماقة العظمى والفادحة التي ترهق عقلك، وتجهد نفسك، وهي الجدل في وسائل التواصل الاجتماعي، التي يغيب فيها الجسد، ويختفي فيها السياق، وتموت فيها المشاعر، وتظهر الكلمة مجردة يتردد صداها.

إليك واحدة من قصص استثمار الشغف: نشأ الطفل جان كوم في بلدة فقيرة في أوكرانيا، ودرس بمدرسة بسيطة تفتقر لمقومات الحياة الأساسية كالتدفئة في بلد تعصف به الثلوج في فصل الشتاء القارس، لكن لسعة الصراعات أكثر ألما من تقلبات الطقس، مما دفع العائلة للهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية في التسعينات من القرن الماضي.

هذه العائلة المحملة بالآلام والخوف سكنت منزلا صغيرا مدعوما من الحكومة فيMountain View بولاية كاليفورنيا، وعملت الأم الباحثة عن الأمل مربية للأطفال، بينما التحق جان بمدرسة تكتمل فيها المقومات الحديثة للتعليم، ولكن الطفل جان عجز عن التأقلم مع هذه الحياة الجديدة والأسلوب الحديث، مما جعله وحيدا، وهذه الوحدة ساهمت في تعلمه لغة البرمجة وتعرف شفرات الأنظمة الرقمية بجهد ذاتي حتى انتهى به المطاف لموظف لأمن المعلومات في شركة ياهو الشهيرة بعد رفض شركة فيس بوك توظيفه، ولم يعلم مؤسسها آنذاك بأنه سيدفع 19 مليار دولار ليتملك ما سيصنعه هذا الفتى الأوكراني.

هذه الفرصة الوظيفية في شركة ياهو جعلته يلتقي ببراين أكتون، ليصنعا من معاناة ارتفاع تكلفة الاتصال بوالده تطبيق واتس اب الذي قد لا تستغني عنه في مراسلاتك اليومية المجانية، والمسمى باسم يوحي بتقصي الخبر واستيضاحه.

نسيت أن أقول لكم: يخشى والد جان استخدام الهاتف خوفا من العقوبات الحكومية، وقد عمل مديرا لشركة بناء وتعمير للمدارس والمستشفيات بكييف عاصمة أوكرانيا، البلد الذي طالما كان موطنا للصراعات والنزاعات المختلفة. فقد شهدت أوكرانيا تحولات تاريخية قاسية من ليتوانيا الكبرى إلى إلكومونويلث البولندي، ومن أوكرانيا البولندية إلى أوكرانيا السوفيتية، وشهدت الحرب الشمالية العظمى، والحرب العالمية الأولى، والثانية. وقد سميت كييف بمدينة الأبطال في الحرب العالمية الثانية، لكن هذا الاسم كلفها الخراب الذي دمر أكثر من 30,000 ألف قرية ريفية. إذن الخوف الذي دبّ في والد جان مبرر.

اليوم تطبيق جان كوم ورفيقه براين أكتون يمتلك ما يفوق عدد سكان أوكرانيا والولايات المتحدة وقارة أوروبا بأكملها قبل وصول فيروس كوفيد-19 لها، فمشتركو تطبيقهما مليارا مستخدم في 180 دولة حول العالم، ويستخدم أكثر من 60 لغة مختلفة.

القاعدة الذهبية في هذا المقال: إذا اجتمع الشغف والمهارة سينتج النجاح ولو بعد حين.