بندر الزهراني

الإدارات الرياضية في الجامعات المحلية

الأحد - 08 نوفمبر 2020

Sun - 08 Nov 2020

المتابع للمشهد الرياضي المحلي يلحظ التطور النوعي الكبير الذي تعيشه الرياضة السعودية، خاصة كرة القدم، فالدوري السعودي لكرة القدم لم يعد محليا، بل هو الأقوى على مستوى غرب القارة، والأقوى على المستوى العربي، ويسعى الاتحاد وهيئة الرياضة لأن يكون دوري المحترفين في السنوات المقبلة القريبة ضمن أفضل عشرة دوريات على مستوى العالم، وهذا ليس مستحيلا إذا ما نظرنا للتطور الإداري المتسارع في أنظمة وسياسات الاتحاد في كل عام.

ولعل السبب الرئيسي في هذا التطور الذي تشهده كرة القدم السعودية يعود - من وجهة نظري - لأمرين، الأول: تحرر الاتحاد من الإدارة النمطية التقليدية، وبالتالي تحوله من اتحاد معين بالترشيح إلى اتحاد منتخب، نتيجة مباشرة لعملية ديموقراطية تفرضها منظمة «الفيفا»، والثاني: سخاء الدعم الحكومي، وهذان الأمران لم يكونا بشكل صحيح لولا عناية ولي العهد الشخصية، ونظرته الثاقبة لهذا النشاط الحيوي والشعبي.

وعلى الرغم من حداثة الاتحاد الرياضي للجامعات السعودية الذي لم يمض على تأسيسه سوى عشرة أعوام، إلا أنه اتحاد مُترهل إداريا، ومتخم بأعباء وأنشطة رياضية كثيرة، وغارق في الهوامش والشكليات، وكعادة الاتحادات الرياضية الناشئة في الإدارات الروتينية والتراتبية، تنشأ كبيرة الطموحات عريضة الآمال، ثم تتدرج في الانحدار إلى أن تستقر عند نقطة معينة في مكان ما، وقد تكون الفرصة مواتية للاتحاد للخروج من هذه الحالة بالاعتماد على نظام الجامعات الجديد حيث يركز النظام على مسألة استقلال الجامعات وخروجها من تحت مظلة الوزارة، وبالتالي إمكانية البحث عن موارد مالية جديدة!

الرابطة الوطنية لرياضة الجامعات الأمريكية (NCAA) تعد من أشهر وأكبر الاتحادات الرياضية الجامعية على مستوى العالم، إن لم تكن هي الأشهر والأكبر، إذ تضم ما يقارب الألف وثلاثمئة جامعة أو مؤسسة تعليمية أمريكية وكندية، ويظل دوري الجامعات لكرة السلة ودوري الجامعات لكرة القدم الأمريكية من أقوى المنافسات وأكثرها شهرة وانتشارا، وهذه الرابطة بما هي عليه من نجاح تنظيمي باهر يمكن أن تكون مثالا يحتذى به أو أنموذجا يحاكيه الاتحاد الرياضي للجامعات المحلية، ويتبنّى على ضوء ذلك سياسات الرابطة وأنظمتها.

إن استقلال الاتحاد عن الوزارة شكلا وإدارة سينقله من مجرد جهة مرتبطة بالوزارة، تتلقى منها التعليمات والتوجيهات، وتتسلم وفقا لذلك المخصصات والمكافآت، جهة منغمسة في التنظيمات الشكلية، ومستهلكة بالأنشطة الرياضية ومتابعتها والإشراف عليها؛ إلى جهة حرة ومرنة، تهتم بسن الأنظمة واللوائح المنظمة لعمل الاتحاد، وتقوم بالمراقبة وتوفير الدعم، وتسعى عبر الدراسة والبحث العلمي لتطوير آليات و أدوات اللعبة أيا كانت، وبالتالي التحرر من كل أشكال الإدارات النمطية والبيروقراطية، وإذا ما نجح الاتحاد علاوة على هذا كله واستقل ماليا فإنه سيكون قد وفر لنفسه الحماية وضمن البقاء واستمرارية النجاح.

ويظل نجاح إدارة جامعة الملك سعود في طرح ملعب الجامعة للاستثمار حالة فريدة من نوعها، ليس لأن هذا الأمر سيخدم الرياضة الجامعية بشكل مباشر، ولكنه سيحول بوصلة الفكر الإداري الكلاسيكي إلى فكر استثماري متحرر، وهذا بلا شك يصب إيجابا في مصلحة الاستثمار الرياضي الجامعي، وبالتالي الرياضة الجامعية، ولعل الجامعات الأخرى تسلك المسلك نفسه، فتتشكل لديها ثقافة الاستثمار في المرافق الجامعية، سواء الرياضية منها أو في غيرها!

يبقى الاستثمار في الطاقات البشرية الرياضية أهم صور الاستثمار الرياضي على الإطلاق، فعلى سبيل المثال: الطلاب من ذوي المواهب الرياضية الفذة يتم استقطابهم من قبل الجامعات الأمريكية وإغراؤهم بالمنح الدراسية، ومن ثم الاستفادة من مهاراتهم في منافسات الرابطة والحصول على البطولات والاستحقاقات الرياضية، ولاحقا - وهذا الأهم - الاستفادة المالية من انتقالات اللاعبين إلى صفوف أندية محترفة تلعب ضمن دوريات كبيرة، عالية المهارة، ومغرية الجوائز، إضافة إلى دخولات النقل التلفزيوني والرعاية والإعلان وإلى ما هنالك من حوافز مالية!

تُرى هل جامعاتنا مستعدة لتحول من هذا النوع! وهل الاتحاد الرياضي للجامعات يعيش إرهاصات هذا التحول؟ الواقع يقول غير ذلك، وكان يفترض أن تكون الجامعات مستعدة لحالات التحول والانسجام مع المتغيرات الجديدة، وإلا فإن الأموال التي تصرف على الإدارات والأنشطة الرياضية في الجامعات ستكون - لا سمح الله - معاول استنزاف وخراب لا مكامن استشراف وتطور!

drbmaz@