فهد عبدالله

يا نفس كوني حية وإلا فموتي

الخميس - 05 نوفمبر 2020

Thu - 05 Nov 2020

من الكلمات الخالدة التي لها أثر تشكل في نفسي ما كان يردده علي الوالد أطال الله في عمره «يا نفس كوني حية وإلا فموتي»، كناية عن أخذ زمام المبادرة وإنجاز الأمور في وقتها وعدم تأخيرها أو تأجيل جزء منها، ولعل طبيعة الجبل والوادي التي نشأ فيها الوالد كان لها من التأثير المتجانس مع هذه العبارة التي حتى في عالم الأعمال الإدارية أو الاستثمارية قد يعبر عنها باقتناص الفرص أو بما يعرف بجانب (Proactive)، التي تميل في معناها العام إلى صناعة الفرصة وأخذ المسؤولية دون انتظار أن تأتي على صحن بارد.

والقصص والأحاديث تترى في كل زمان ومكان عن أن أصحاب المبادرات الذين لديهم عدسة مكبرة لرؤية الفرص أيا كان نوعها وشكلها والذهاب إليها وعدم انتظارها؛ هم أصحاب حظ كبير في النجاحات المختلفة، انظر في من حولك من الذين لهم نجاحات بارزة أو تأمل في الناجحين سابقا ولاحقا أو حتى على صعيد تجاربك الشخصية والنجاحات غير الاعتيادية؛ ستجد بطريقة أو بأخرى أن لها علاقة وطيدة مع معاني المبادرة والاستباق واقتناص الفرصة وعدم التأجيل.

حتى على جانب الثقافة الإسلامية والتلميحات النبوية الخالدة في تمييز المبادرين عن غيرهم، كما في الحديث الشريف للرسول صلى الله عليه وسلم (سبقك بها عكاشة)، وكأن هذا الهدي النبوي ينير للبشرية فكرة أن المبادرة واستثمار الفرص ما هما إلا سنة كونية في ارتفاع حظوظ النجاح، ومن يطبع نفسه مع هذه العادة الكريمة سيجد نفسه في أجواء النجاح التي تحيط به من جميع الجوانب.

خذ لمحة سريعة حتى في الآيات الكريمة التي ارتبطت بمعاني التسابق والمسارعة، ستجدها مرتبطة بالفضل الكبير والفضل الكريم، هي هكذا في أمور الآخرة والدنيا، من يتطبع على مبدأ المبادرة والمسابقة والمسارعة سيجد نفسه بإذن الله في محيط النجاح، بمختلف تفاصيل معاني هذه الكلمة.

وحينما صدّر ستيفن كوفي كتابه المتألق العادات السبع للناس الأكثر فعالية بعادة المبادرة (Be Proactive)، وهي في ظني أعظم عادات في النجاح، ولو تأملت قليلا في العادات التي تليها، ستجد أنها في الأغلب لا يمكن لها أن تكون في فعاليتها الكبرى دون التطبع بالعادة الأولى المتعلقة بالمبادرة، ولا أجد حرجا في تسميتها بالعادة المهيمنة للنجاح أو كما يتحدث عنها الوالد حفظه الله عندما يربطها بالحياة والموت في العبارة المتهدجة بالحكمة «يا نفس كوني حية وإلا فموتي».

كثير من المفاهيم مثل مفهوم المبادرة، قد يكون السبيل لتعلم تفاصيلها المعرفية ميسرا، وقد يتعلم الإنسان شيئا من معالمها، لكن في الحقيقة إدراكها فضلا عن التطبيع الكامل مع هذه العادة، لا يمكن لهما أن يكونا إلا من خلال الممارسات المتراكمة، وبالتأكيد ممارسة بعد أخرى سيكون في ثناياها تلك الفتوح المعرفية والإدراكية التي لا يمكن الحصول عليها من مجرد المطالعة أو الاستماع دون الممارسة. هكذا أعتقد.

@fahdabdullahz