فهد عبدالله

عضلة التريث الذهني

الأربعاء - 28 أكتوبر 2020

Wed - 28 Oct 2020

يحدث في كثير من الأحيان في نقاشاتنا وأحاديثنا وأدبياتنا اليومية أن نستمع إلى معلومة معينة أو رأي وتفسير تجاه حدث ما، وبعد ذلك ومن خلال البحث في خلفيات تلك المعلومة نجد أنها ما هي إلا تحليل وتفسير محض من صاحبها لتصوره عن ذلك الموقف أو الحدث، واعتقد أن هذا الانحياز تجاه تفسير ما وراء الأحداث والمواقف هو تصرف طبيعي لاندفاع العقل دائما إلى التفسيرات والتحليلات، وألا يبقى في حالة حياد تجاه ما يقرأ أو يسمع أو يشاهد.

وهذا التماهي بين المعلومات والآراء والتفسيرات بالتأكيد سيخلط أوراق الصواب والخطأ والتحيزات الشخصية بالمعلومات، فضلا عن توجيه المواقف المختلفة من خلال منظور الانتماءات أو التراكمات النفسية والذهنية السابقة، التي لا يمكن بأي حال من الأحوال الغوص الدقيق في تفاصيلها ومعرفة دوافعها وبراهينها فضلا عن تقييم صحتها.

وهذه الحيثيات في تفاعل دواخلنا مع ما يحصل في الخارج الذي يقودنا لآراء وتفسيرات معينه ويتم مشاركتها مع الآخرين، تضع هذا السؤال العريض حول كيف يمكن تطوير هذا الجانب على الصعيد الشخصي، سواء في تحسين ملكة رؤية الأمور كما هي، بعيدا عن التحيزات التي تأخذها يمينا أو يسارا أو من خلال الممارسة الداخلية الإيجابية التي تجعلنا في الأغلب قادرين على تقديم المعلومة المجردة وتمييزها عن الرأي الشخصي عندما نتفاعل مع الآخرين.

مثلا، المعلومة المترهلة غير مكتملة الجوانب بالتأكيد ستكون مرتعا لإضافة التحيزات الشخصية والآراء ولأقرب تفسير يظهر على شاشة العقل، بينما لو كانت عضلة التريث الذهني التي استمدت قوتها من خلال المواقف التراكمية تمارس عملها لما أضيفت تلك التحيزات والآراء على تلك المعلومة المترهلة، وإذا كانت تلك المعلومة غير مكتملة القوام ذات أهمية للمستمع، فبالتأكيد ستظهر صورة من صور قوة عضلة التريث الذهني بالاتجاه نحو مصدر المعلومة الأساسي أو المصادر المتعددة والتأكد من صحتها ومعرفة جوانبها المختلفة.

ومن مظاهر الاهتمام بعضلة التريث الذهني ستجد أن حساسيتها مرتفعة جدا تجاه الأقوال والمعلومات المتواترة، لكثرة المواقف والتجارب والأحداث التي ألهمت صاحبها بأن جزءا من كيانات هذه المعلومات والآراء سقطت في الطريق أثناء التناقل، فضلا عن التشويه غير المقصود أو المقصود والزيادة والنقصان أثناء الانتقال.

على نطاق أوسع من ذلك، مثلا عندما تشاهد خبرا في صحيفة أو في القنوات الفضائية أو وسائل التواصل الاجتماعي وتجد زوايا النظر المتعددة وإطارات الانتماء المتعددة التي تفسر وتحلل هذا الخبر والحدث، حينها بالتأكيد سيكون الإدراك في ذروته عن المعنى الذي نتناوله هنا عن التفريق بين المعلومة المجردة والمختلطة، وستسعى جاهدا بعد تقوية عضلة التريث الذهني إلى أن يصاحب تلقي تلك الأخبار اجتهاد حثيث في محاولة فصلها عن الآراء والتوجهات، وذلك دونه خرط القتاد لكون أغلب وسائل الاتصال المسموعة والمقروءة لا تخلو من لي أعناق الأحداث تجاه آرائها ورؤيتها واتجاهاتها، وما زال في الأحلام بقية لوجود وسائل إعلامية تنقل الحدث كما هو بعيدا عن تصريحات أو إيماءات التوجهات قد تكون مجرد أضغاث أحلام.

في الحقيقة، في هذا العصر المتخم بالمعلومات ومصادر المعلومات اللانهائية أصبحت الحاجة في أوج إلحاحها لتقوية جميع العضلات الذهنية، ومن بينها عضلة التريث الذهني، التي ستكون صمام أمان من عبث الأفكار والمعلومات المختلطة، إضافة إلى الرمزية الواضحة في وجودها عن الاستقلالية والحرية في طريقة التلقي للمعلومة والمحاكمة لها.

fahdabdullahz@