محمد أحمد بابا

تفسير الأحلام بين الفتنة والنجاة

الاثنين - 26 أكتوبر 2020

Mon - 26 Oct 2020

(فتن) الناس في تفسير الأحلام وتأويل الرؤيا، حتى صارت هذه مهنة لأفراد أضحوا بها شخصيات اعتبارية ووجوها إعلامية مشهورة، ثم استفقنا على عصر رأينا فيه هذا العمل مهنة لبعض ممن أعيتهم حيلة التكسب بالحلال، ولا يجرؤون على المجاهرة بالربا أو المسائل المختلف في تحريمها، فعملوا على أن يكون غزل معطف هلامي لمن يشعر ببرد متوهم هو البضاعة الرائجة والفرصة السانحة.

والفتنة في تفسير الأحلام شقت قلب المفسر وجعلته يكذب ويصدق ما يقول بعد حين، وشقت قلب الحالم وجعلته يهيئ نفسه لأحلام كلما عزم على أمر أو خاف من مستقبل أو أصابه خير أو شر.

أعرف أناسا ضربوا أرقاما قياسية في الأحلام بعدد أكثر من عشرة (أفلام) في اليوم والليلة، ما بين الطويل والقصير والموحش والمؤنس والعادي - حسب قولهم - وأعرف آخرين وصلوا في درجة التحلم أن يروا أحلاما وهم مستيقظون - حسب زعمهم، وأعرف قوما كلما رأوا في منامهم أمرا أعلنوا حالة الطوارئ وأثقلوا وسائل اتصالاتهم بمبالغ لا طاقة لهم بها، وهم يبحثون عن تأويل يروق لهم، لا يعجبهم تفسير، ولا يتوقفون عند تبرير، حتى خافوا من كل طارق يطرق عليهم الباب، وأمسوا يحسبون كل صيحة عليهم.

أما من يفسر الأحلام أو يستفسرها فقد أعمته الفتنة فيها عن وحي الله تعالى وعن سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وزين له الشيطان سوء استخراجه وتوقعه، زاعما أنه يفسر بالقرآن والحديث، وهو منها أبعد ما بين السماء والأرض، فتحكمت الأحلام في العقليات لدرجة أن هناك أناسا يحذر منهم آخرون أن يقصوا عليهم رؤيا، فقد اشتهروا بأن أحلامهم تقع - كما يلبس الشيطان.

وبؤرة الفتنة أن المنتقد لهذه التصرفات تصفعه فوضى من الاستنكار عليه؛ كيف ينكر أمرا جاء في القرآن؟ تخويفا وترهيبا، ليبقى المفتون حالما وفاتنُ الناس مفسرا، فكيف إن كانت الفتنة قائمة في الرؤيا الحق «وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس» أوليس أحلام مسلمي اليوم أولى!

(ينجي) الناس من فتنة في تفسير ما يرونه في نومهم وتأويل الرؤيا أن يعلموا بأن الله تعالى قد قال على لسان ملك مصر «أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون»، وقال على لسان الملأ الذين هم علية قومه مكانة وثقافة واستشارة «أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين»، وإذا فهم هذا الأمر فإن ما ثبت في القرآن هو أن الإنسان يرى ويحلم، وأن العاقل يعقل بأن من يعرف تأويل الرؤيا هو الذي آتاه الله تعبيرها، وقليل ما هم، وليعلم الناس بأن الذي فسر وعبر رؤيا الملك هو نبي مرسل من عند الله اصطفاه الله لرسالته وعلمه من تأويل الأحاديث ما لم يعلم أحدا من الخلق في زمنه، وقال على لسانه في القرآن «وعلمتني من تأويل الأحاديث»، وأن الذي فسر الرؤيا في عهد نؤمن بكل ما جاء فيه هو الرسول صلى الله عليه وسلم الذي كل كلامه وقوله وحي من السماء، لا ريب في صدقه ولا شك، ثم الناس بعده على سنته قائمون، وبأمر هو هديه متمسكون وقابضون، فإن كان تفسير الرؤيا علما يكتسب فهو علم شرعي لا يتقنه - لتعلقه بصدق الفراسة والتوقع والإرجاع للمصادر والفهم والاستنباط - إلا المتقون، والله تعالى قال «إنما يخشى الله من عباده العلماء» والتقوى يعرفها المهتدون.

وإن كان تفسير الرؤيا هبة ربانية من الله وملكة على غير العادة، فالأصل وفق سنن الله في كونه أن النادر عزيز، وغير المعتاد شاح، وفي كلا الحالتين ما نراه اليوم بعيد عن هذين الطريقين، وأما فتنة الحالمين فلا حول ولا قوة إلا بالله إن لم يفهم المسلم بأن منامه جزء من يقظته، فما تكون عليه حال يقظتك هو ما سترى انعكاسه في نومك، علمت طريقة ربط الحالتين ببعضهما أم لم تعلم، والشيطان في الاثنين متربص ومسلط، والله على المقدرين معين وحافظ.

albabamohamad@